هجوم الجندي الأردني على إسرائيل.. ماذا يعني؟

22/09/2025
image_print

عملية عبد المطلب القيسي: العشائر الأردنية تدخل قلب الصراع

منذ السابع من أكتوبر لم يعد الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي محصوراً في غزة أو الضفة الغربية فقط، بل بدأ يترك تأثيرات مباشرة على الدول المجاورة أيضاً. في هذا السياق، أضافت العملية التي نفذها الجندي الأردني المتقاعد عبد المطلب القيسي عند معبر الكرامة بُعداً جديداً إلى معادلة الصراع. فهذه العملية هي الثالثة التي تُنفذ من الأردن باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد السابع من أكتوبر، والثانية التي يقوم بها جندي أردني متقاعد. إلا أن أهم ما في الحدث أنّ منفّذه لم يكن مرتبطاً بأي حركة سياسية أو أيديولوجية، بل كان فرداً عادياً من أبناء العشائر الأردنية، وهو ما منح العملية معنىً اجتماعياً وسياسياً يتجاوز بعدها العسكري.

كان القيسي معروفاً بلقب “أبو عيسى“، وقد خدم لسنوات طويلة في سلاح المدفعية بالجيش الأردني قبل أن يتقاعد، ثمّ بعد التقاعد عاش حياة بسيطة يعمل فيها كسائق شاحنة. وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة شارك في نقل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة، ليكون شاهداً مباشراً على المأساة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون. لم تكن له أي صلة بجماعة الإخوان المسلمين أو أي حركة إسلامية أخرى؛ بل كان من أصول عشائرية، متديناً محافظاً يعيش حياة أسرية اعتيادية. وإنّ بعض أبنائه ما يزالون يخدمون في الجيش الأردني. لهذا السبب، لم يكن أحد من أسرته أو محيطه يتوقع أن يُقدم على مثل هذا الفعل. ومن هنا جاء وقع الصدمة التي أثارتها العملية.

أما تفاصيل العملية فكانت لافتة. إذ توجه القيسي نحو معبر الكرامة، وبعد تجاوزه الجانب الأردني وصل إلى نقطة التفتيش الإسرائيلية، وهناك أخرج مسدسه وسكينه واشتبك مباشرة مع الجنود الإسرائيليين. وتمكّن خلال الاشتباك من قتل ضابطين إسرائيليين قبل أن يُستشهد. لم تستغرق العملية سوى بضع دقائق، لكنها باغتت الجيش الإسرائيلي في واحدة من أكثر النقاط حساسية، إذ يُعد هذا المعبر المنفذ الرئيس بين الأردن والضفة الغربية.

لا يمكن النظر إلى هذا الحدث على أنه مجرد واقعة فردية، فالعملية أظهرت أن الأفراد غير المرتبطين بتنظيمات أو أيديولوجيات باتوا أيضاً يتحركون. وعلى مدى سنوات، ارتبطت الأعمال المناهضة لإسرائيل في الأردن بالحركات الإسلامية. لكن تنفيذ هذه العملية على يد أحد أبناء العشائر يبرهن أن قاعدة الصراع الاجتماعية باتت تتسع. وحيث أنّ العشائر في الأردن ليست مجرد مكوّن اجتماعي بل أحد أعمدة البنية الأمنية والعسكرية، فإن هذه التطورات تمثل تحدياً حقيقياً للحكومة في عمّان.

أمّا في الجانب الإسرائيلي، فقد كانت ردود الفعل غاضبة. فقد اتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأردن بشكل مباشر وحمّله مسؤولية عدم منع العملية. في المقابل، أكد المسؤولون الأردنيون أنها مبادرة فردية وأن الدولة لا علاقة لها بها. لكنّ هذه التوضيحات لم تُبدد المخاوف الأمنية في إسرائيل. فتل أبيب كانت قد نشرت بالفعل وحدات عسكرية كاملة على الحدود الأردنية خلال الأشهر الأخيرة، خشية أن تتكرر مثل هذه العمليات، مما قد يفتح جبهة جديدة على حدودها الشرقية التي بقيت هادئة منذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994.

بينما من جهة للأردن، فقد اكتسبت المسألة بعداً داخلياً ضاغطاً. فمنذ اندلاع حرب غزة، حاولت السلطات الحد من التظاهرات واعتقال الناشطين الموالين للمقاومة. لكنّ عملية القيسي كشفت أن الغضب الشعبي لا يقتصر على القوى السياسية، بل يمكن أن يتحرك من رحم العشائر ومن أفراد عاديين. وهو ما يجعل من الصعب على الدولة السيطرة على هذا الغضب بالأساليب الأمنية التقليدية.

من ناحية إقليميّة فإنّ انعكاسات العملية تتجاوز حدود الأردن. فالمجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة أشعلت موجة غضب عابرة للحدود. وفي بلدان مثل الأردن، حيث يشكّل الفلسطينيون نسبة مهمة من السكان وتوجد روابط اجتماعية قوية مع الضفة الغربية، فإن انفجار هذا الغضب كان أمراً متوقعاً. وإذا ما تكررت مثل هذه العمليات، فإن إسرائيل لن تواجه التهديدات من غزة أو لبنان فقط، بل من حدودها مع الأردن أيضاً. وهذه المرة لن تأتي التهديدات من تنظيمات منظمة، بل من ردود أفعال فردية عفوية.

في المحصلة، فإن عملية عبد المطلب القيسي عند معبر الكرامة ليست مجرد حادث أمني عابر، بل تحمل دلالات مهمة على موازين القوى في المنطقة. وبالنسبة لإسرائيل، فهي تنذر بتحول حدودها الشرقية إلى جبهة تهديد جديدة. أما بالنسبة للأردن، فهي تذكير بخطورة وصول الغضب الشعبي إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها. وعلى الطرفين أن يضعا في حساباتهما أن العمليات الفردية ذات الطابع العشائري قد ترسم معادلة جديدة. وهذه المعادلة ستظل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسار حرب غزة والتطورات الإقليمية المقبلة.

Bekir Gündoğdu

بكر غوندوغدو
باحث - كاتب. عمل على مستويات مختلفة في السياسة والمجتمع المدني والإعلام. يواصل العمل حاليًا كمحرر في مجال الإعلام الجديد وناشر على الإنترنت.
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.