المصدر: مجلة ديوان للدراسات العلمية، العدد 15 (2003/2)، ص 1-51
قصة تشكّل تصور الإسلام في المسيحية الشرقية والغربية خلال العصور الوسطى
النتائج السلبية التي ترتبت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر أدت إلى دخول العلاقة الطويلة والمعقدة بين الإسلام والغرب في مرحلة جديدة. ففي الرأي العام لدى العديد من الدول الأوروبية وأمريكا، سادت أجواء من الشك العميق والواضح تجاه الإسلام. وقد فُسِّرت هذه الهجمات باعتبارها تحققًا لنبوءة كانت متمركزة منذ زمن طويل في الوعي الغربي، مفادها أن الإسلام سيشهر سيفه يومًا ما ويبدأ في القضاء على الحضارة الغربية. وأصبح الاعتقاد بأن الإسلام أيديولوجيا دينية قمعية تدعو إلى العنف والإرهاب خطابًا سائدًا، وتحولت الشاشات التلفزيونية، والدوائر الحكومية، والمدارس، وحتى الإنترنت إلى وسائل لإبداء الرأي وإصدار الأحكام في هذا الموضوع. وقد أدى هذا التصور الراديكالي للإسلام في الأذهان إلى طرح فكرة الهجوم على التدين المتطرف والإرهاب، بل وصل الأمر إلى حد اقتراح توجيه ضربة نووية إلى مدينة مكة المقدسة لتلقين المسلمين حول العالم درسًا لا يُنسى. يمكن تفسير مشاعر الغضب والعداء والرغبة في الانتقام التي انتشرت بعد الهجمات كرد فعل إنساني على مقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف إنسان بريء، إلا أن الربط بين ذلك وتصوير الإسلام والمسلمين ككائنات شيطانية، يستند إلى أسس فلسفية وتاريخية أعمق بكثير.
من الجدل اللاهوتي الذي نشأ في بغداد خلال القرنين الثامن والتاسع، إلى تجربة التعايش (convivencia) في الأندلس في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، هناك العديد من العوامل التي حددت أشكال التصورات الشائعة والشكوك المتبادلة بين الحضارتين. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل أهم العناصر التي برزت في تاريخ العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وستناقش حقيقة أن التصور الأحادي للإسلام، الذي أنتجته واستمرت في ترويجه وسائل الإعلام، والمؤسسات البحثية، والأوساط الأكاديمية، وجماعات الضغط، ومصممو السياسات، وصنّاع الصورة في الغرب، له جذور ضاربة في الماضي الطويل للعلاقة بين الإسلام والغرب. كما ستتطرق الدراسة إلى الكيفية التي ساهمت بها هذه الشكوك المتجذرة تجاه الإسلام والمسلمين، في اتخاذ قرارات سياسية خاطئة لها تأثير مباشر على العلاقات الراهنة بين العالمين الإسلامي والغربي. إن الصورة النمطية التي تكونت في أذهان العديد من الأمريكيين بعد 11 سبتمبر، والتي تُساوي تقريبًا بين الإسلام والإرهاب والتطرف، تشير إلى سوء فهم للتاريخ، وإلى أن بعض الجماعات ذات المصالح الخاصة ترى أن المواجهة مع العالم الإسلامي هي الخيار الوحيد أمامها. وتسعى هذه الدراسة إلى تقديم إطار تاريخي يُسهّل فهم الأحداث التي تلت هجمات 11 سبتمبر وانعكاساتها في كلا الحضارتين.
هناك موقفان أساسيان يبرزان في تصوّر الغرب للإسلام: أولاً، وهو الرأي الأكثر شيوعًا حتى الآن، يتمثل في الصراع والتعارض. ترجع جذور هذا التصور إلى القرن الثامن، حين ظهر الإسلام على الساحة التاريخية وتمّ اعتباره خطرًا لاهوتيًا وسياسيًا على المسيحية من قبل الغرب خلال فترة قصيرة جدًا. فوفقًا للرؤية الأوروبية في العصور الوسطى، كان الإسلام فكرًا منحرفًا، والنبي محمد مجرد دجّال. هذا التصور يشكّل الأساس الديني للموقف الصراعي الذي استمر حتى يومنا هذا وازدادت وتيرته بعد 11 سبتمبر. في العصر الحديث، تداخل هذا الموقف الصراعي مع مصطلحات دينية وغير دينية. ومن أشهرها فرضية “صراع الحضارات”، التي تضع المصالح السياسية والاستراتيجية بين الدول الإسلامية والغربية في الواجهة، على أساس وجود اختلافات دينية وثقافية عميقة. ثانيًا، هناك وجهة نظر بديلة تؤمن بالتعايش والتفاهم، دعمها في التاريخ أشخاص مثل سويدنبورغ، وغوته، وهنري ستاب، وكارلايل وغيرهم. ورغم أنها لم تُصبح خيارًا أساسيًا إلا في العقد الأخير، إلا أن مؤيديها يرون الإسلام دينًا شقيقًا، وبما أنه جزء من التقليد الإبراهيمي، فإنهم يعتقدون، كما في مثال غوته وسويدنبورغ، أن إمكانية التعايش بين الإسلام والمسيحية ستزداد. وسنناقش هذه الرؤية بإيجاز في القسم الأخير من الدراسة، مع التركيز على فكرة التفاهم والتعايش طويل الأمد في تاريخ الإسلام والغرب، كإشارة إلى نقطة تحول جديدة ومهمة.
في القسم الأول من دراستنا، سيتم التركيز على كيفية تصوّر الإسلام من قبل اللاهوتيين المسيحيين في البداية لدى العالم الشرقي، ثم لاحقًا في أوروبا، على أنه انحراف ديني. فالأصول التاريخية للرؤى الشائعة التي تصوّر الإسلام على أنه دين السيف، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم على أنه شخص ميّال للعنف، والقرآن على أنه كتاب لاهوتي لا معنى له ومليء بالهراء، تعود أيضًا إلى هذه الفترة. أما في القسم الثاني من الدراسة، فسيتم التطرق إلى الفكر الإسلامي في العصور الوسطى وعصر النهضة، حيث تم تصوّر الإسلام كثقافة عالمية في مقابل التفوق الديني والفكري للمسيحية. فعلى الرغم من أن بعض مفكري العصور الوسطى المتأخرة وعصر النهضة وضعوا الإسلام في نفس مرتبة الديانات الأخرى، واعتبروه مثلها دينًا غير عقلاني وباطلًا وسخروا منه، إلا أنهم لم يترددوا في الإعجاب بالتطورات الفلسفية والعلمية التي قدمتها الحضارة الإسلامية. هذا الموقف الجديد الذي جرى تطويره تجاه الإسلام يحتل مكانة مهمة في تشكيل تصور الإسلام في أوروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. كما أن هذا الموقف أسهم في صعود الاستشراق خلال القرنين التاليين، والذي تمثل في دراسات رسمية حول كل ما يتعلق بالعالم الشرقي والإسلامي. في الجزء الثالث من الدراسة، سيتم تناول الاستشراق في إطار تصور الغرب للإسلام، وكيف ساهم الاستشراق في تشكيل تصور الإسلام الحديث في النصف الغربي من العالم. وبعد رسم إطار تاريخي كافٍ، سيتم في الجزء الأخير من الدراسة تقديم معلومات تفصيلية حول الاتهامات المرتبطة بالعنف والإرهاب والعدوانية والتطرف، والتي استُخدمت لتأكيد صورة الإسلام بوصفه “الآخر” العدواني، وسيتم ربط هذه الاتهامات بالتصور الذي نشأ في العصور الوسطى المتأخرة عن الإسلام على أنه دين السيف. كما سيتم مناقشة أن المفاهيم الإسلامية مثل الجهاد ودار الإسلام قد تم تأويلها بشكل خاطئ وتسييسها من قبل الخطاب الإسلامي الراديكالي بهدف منع تشكيل خطاب للحوار والتعايش بين الإسلام والغرب، في مقابل الترويج لمفهوم دار الحرب.
من التنافس اللاهوتي إلى الاختلاف الثقافي: تصوّر الإسلام خلال العصور الوسطى
الإسلام، الذي يعتبر نفسه آخر الديانات السماوية والإبراهيمية، وُصف منذ ظهوره على أنه التحدي الأكبر للمسيحية. فالاستشهادات بالتقاليد اليهودية والأنبياء المسيحيين، وكذلك القصص النبوية في الحديث والقرآن، كانت أحيانًا منسجمة مع نصوص الإنجيل وأحيانًا متناقضة معها. هذا الأمر أسهم من جهة في تنمية مشاعر الدهشة وانعدام الثقة في العالم المسيحي، ومن جهة أخرى خلق شعورًا بضرورة الردّ العاجل على ادعاء الإسلام بالأصالة. الجدالات اللاهوتية المبكرة بين العلماء المسلمين ورجال الدين المسيحيين تُظهر مدى التزام كلا الفريقين بالدفاع عن عقيدته. كانت بغداد وسوريا بين القرنين الثامن والعاشر مركزين مهمّين للتفاعل الفكري والجدالات اللاهوتية بين المسلمين والمسيحيين. وعلى الرغم من استمرار التنافس في القضايا اللاهوتية خلال هذه المرحلة، فقد ذهبت مجالات الفلسفة والمنطق واللاهوت إلى ما هو أبعد من ذلك، وشهدت تبادلاً واسعًا في الآراء والأفكار. كان لاهوتيو المسيحية الشرقية يمتلكون قدرة حقيقية على مجابهة المتكلمين المسلمين، لأنهم كانوا يملكون تفوقًا نسبيًا في تطوير لغة لاهوتية شاملة بفضل معرفتهم بالثقافتين اليونانية والهلنستية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تصور الإسلام بوصفه تحديًا دينيًا للمسيحية لم يكن نابعًا من كونه دينًا غريبًا أو جديدًا تمامًا، بل إن رسالة الإسلام، رغم انتقادها لبعض عقائد الموسويين والمسيحيين في القرآن، تشترك من حيث الجوهر مع الموسوية والمسيحية في الكثير من الأصول والمنطلقات.
عامل آخر مهم ساهم في هذا التصور هو الانتشار السريع للإسلام في المناطق التي كانت سابقًا تحت سيطرة المسيحيين. فبعد قرن فقط من فتح مكة، خرج الإسلام من شبه الجزيرة العربية وامتد من مصر إلى القدس، ومن سوريا إلى بحر قزوين، ومن شمال إفريقيا إلى مناطق أخرى، واعتنق عدد كبير من سكان هذه المناطق الإسلام. وباعتبار اليهود والمسيحيين “أهل كتاب”، فقد كفل لهم الفقه الإسلامي حرية ممارسة شعائرهم الدينية دون أن تُفرض عليهم أي ضغوط لتغيير دينهم. لكن هذا الانتشار السريع وغير المتوقع للإسلام كان كافيًا لإثارة قلق العالم المسيحي الغربي. وبعد عدة قرون، شكّلت هذه الحقيقة أحد الأسس التي قامت عليها الحملات الصليبية ضد المسلمين. وزاد من هذا القلق الزحف المستمر للجيوش الإسلامية غربًا تحت رايات الدولة الأموية، ثم العباسية، وأخيرًا العثمانية. وظل هذا القلق قائمًا في الغرب حتى بداية تراجع الدولة العثمانية، التي كانت القوة السياسية الرائدة في البلقان والشرق الأوسط. وقد طُرح سببان رئيسيان لتفسير هذا الانتشار السريع للإسلام، لا سيما لدى العديد من المسيحيين الأوروبيين: أولهما، نشر الإسلام بالسيف، وثانيهما، موقف النبي محمد من تعدد الزوجات والجواري، والذي قيل إنه يخاطب الغرائز الحيوانية لدى الرجال. وكما ورد في أقوال الرحالة الشهير في القرن السابع عشر جورج سانديز، فقد أُضيف إلى هذه القائمة لاحقًا بساطة العقيدة الإسلامية، وبذلك كان جميع معتنقي الإسلام سيوصفون بنوع من العنصرية الضمنية على أنهم “أصحاب عقول ضيقة” [1].
لعبت الأسس اللاهوتية التي يستند إليها الإسلام كدين، إلى جانب الانتشار الواسع لأراضيه خلال فترة قصيرة، دورًا محوريًا في تشكيل مشاعر العداء للإسلام في العصور الوسطى. ولا يمكن لأحد أن يصوّر هذا الوضع أفضل من القديس يوحنا الدمشقي، المعروف في اللاتينية بـ”Johannes Damascenus”، والذي عاش بين عامي 675 و749. كان يوحنا الدمشقي، كأبيه ابن منصور، أحد موظفي بلاط الخليفة الأموي في سوريا. وقد كان يوحنا شخصية محورية، ليس فقط بسبب إسهاماته في تشكيل اللاهوت الأرثوذكسي ومحاربته لحركة تحطيم الأيقونات في القرن الثامن، بل أيضًا لدوره الحيوي في تطور الجدل المسيحي ضد المسلمين، الذين كانوا يعرفون آنذاك بـ”الساراسين”. ويبدو أن مصطلح “الساراسين” المهين والذي استُخدم لاحقًا في كثير من الجدالات المعادية للإسلام، يعود إلى يوحنا الدمشقي [2]. إلى جانب معاصره بيدا (ت. 735)، وثاوذورس أبي قرة [3] (ت. 820 أو 830)، من الجيل التالي، ساهم يوحنا الدمشقي في بلورة التصور الذي يرى في الإسلام انحرافًا عن المسيحية، أو كما أسماه هو نفسه “بدعة الإسماعيليين” [4]، وهو المفهوم الذي ظل أحد المحاور الحاسمة في تصور الإسلام خلال العصور الوسطى وحتى نهاية عصر النهضة [5]. العديد من التصورات اللاهوتية للإسلام، بأنه خرافة خادعة للإسماعيليين ونذير لقدوم الدجّال [6]، تعود جذورها إلى يوحنا الدمشقي. كما يُعد القديس يوحنا أول مجادل مسيحي يصف نبي الإسلام بأنه “نبي كاذب”، حيث قال: “إن مؤسس الإسلام محمد هو نبي كاذب صادف العهدين القديم والجديد، وبعد أن تظاهر باللقاء مع راهب آرياني، اخترع هرطقته الخاصة” [7].
فيما يتعلّق بجدليات القديس يوحنا المناهضة للإسلام، تجدر الإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي أنه كان يمتلك معرفة مباشرة بأفكار المسلمين ولغتهم بدرجة لم يحظَ بها أيّ من أتباعه في الغرب من بعده [8]. وقد أصاب ريتشارد ويليام سذرن حين وصف حرمان المسيحيين في العصور الوسطى من الوصول إلى معارف أولية ومباشرة عن عقائد الإسلام وعباداته – وهو ما حال دون اتخاذهم للإجراءات الوقائية المناسبة إزاء ما اعتبروه انحرافًا دينيًا – بأنه “المشكلة التاريخية للمسيحية” [9]. إن غياب الاتصال المباشر وندرة المصادر الموثوقة التي يمكن من خلالها تحصيل المعرفة، أدّى إلى نشوء سردية تاريخية مختلقة في الغرب عن الإسلام والنبي محمد، وهي سردية أسهمت في ترسيخ صورة الإسلام كعدوّ مرعب في الوعي الأوروبي طوال العصور الوسطى. وقد تفاقمت هذه المشكلة لاحقًا حين تضافرت مع مواقف بيزنطة المعادية للإسلام، والتي تمظهرت ما بين القرنين الثامن والعاشر في إنتاج أدبيات جدلية عدائية تجاه الإسلام، تركّزت في الغالب على المستوى اللاهوتي. نظر الأدب البيزنطي المناهض للإسلام إلى العقيدة والشعائر الإسلامية على أنها منافس لاهوتي [10]، واعتبر الإسلام نوعًا من الهرطقة، موجّهًا انتقادات محددة لبعض آيات القرآن. ومن اللافت للنظر أن هذا الأدب أظهر معرفة من الدرجة الأولى، مما وفّر أساسًا تاريخيًا ولاهوتيًا جيدًا للانتقادات التي يمكن أن تُوجَّه إلى الإسلام في الفترات اللاحقة [11].
وكما أن الجهل المتعمّد بالإسلام كان في تلك المرحلة استراتيجية مدروسة، فإن رفض الإسلام رفضًا قاطعًا باعتباره تهديدًا عقائديًا كان موقفًا شائعًا بالدرجة نفسها. لم يغب عن أنظار الغرب المسيحي أن القرآن رفض عقيدة التثليث ودعا إلى التوحيد، وأنه قدّم عيسى المسيح بوصفه نبيًا لله لا إلهًا، كما لم يغفل تحديه لمؤسسة الكهنوت والسلطة الكنسية من خلال دعوته إلى جماعة دينية لا تعتمد على وساطة رجال الدين. وعلى عكس المسيحية الشرقية، التي كانت في قلب العالم الإسلامي وتتمتع بإمكانية أكبر للوصول إلى مصادر المعرفة عن الإسلام، نظر الغرب المسيحي إلى الإسلام على أنه هرطقة لا قيمة لها، وعبادة أصنام، بل إنه لم يرى فرقا بينه وبين المانوية – تلك الديانة التي كان القديس أوغسطين أحد أتباعها قبل اعتناقه المسيحية. وعلى النقيض من النموذج الإسباني، حيث عاشت الديانات الإبراهيمية الثلاث معًا لفترة ملحوظة وشهدت تبادلاً ثقافيًا وفكريًا، فإن اكتفاء المسيحية الغربية بتقييد نفسها مكانيًا وفكريًا أدّى إلى نشوء فراغ تم ملؤه بالعديد من القصص المختلقة حول الإسلام والمسلمين. وكانت هذه القصص المختلقة سببًا في ظهور أفكار وحكايات وأساطير وشخصيات جديدة من نسج الخيال، جلبها الصليبيون معهم.
كان من الممكن توقّع أن يجلب الصليبيون معلومات أكثر موثوقية وحداثة عن الإسلام، إلا أن ذلك لم يحدث. بل على العكس، عادوا إلى أوروبا وهم يحملون صورًا تعزز فكرة أن الإسلام دين بلا إله ومبني على عبادة الأصنام. ومع ذلك، كان للحملات الصليبية نتيجة مهمة جدًا لم تُؤخذ بعين الاعتبار كثيرًا في التصور الغربي للإسلام خلال العصور الوسطى. فالصليبيون، الذين يُعرفون بأنهم أوائل المسيحيين الغربيين الذين تمكنوا من التوغل داخل العالم الإسلامي، أُتيح لهم التعرف عن كثب على مدن الثقافة الإسلامية، وطرقها، وأسواقها، ومساجدها، والأهم من ذلك كله، على أبناء هذه الحضارة أنفسهم. وعندما عاد الصليبيون، لم يجلبوا معهم فقط أسطورة فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي وسلعًا مثل الحرير والورق والعطور، بل نقلوا أيضًا إلى أوروبا الغربية فكرة أن المسلمين يعيشون حياة مترفة وأنهم ميالون للشهوات وأصحاب ثروات. وبالإضافة إلى هذه التصورات الشائعة، فإن القصص والمنتجات المستوردة التي وصلت إلى الغرب وهي تشير إلى التعلق بالترف في الحياة الدنيا، عززت كذلك الفكرة الغربية بأن المنحرفين “الإسماعيليين” (العرب) “سيئو الخلق”. ورغم أن هذه القصص التي نُقلت إلى الغرب عبر الصليبيين قوبلت بإعجاب خفي وصامت، إلا أنها لم تُسهم كثيرًا في تحسين صورة الإسلام في المخيال الغربي. إلى جانب ذلك، فتحت هذه النقليات بابًا جديدًا لتصوّر الإسلام في الغرب بوصفه ثقافة وحضارة. وهكذا، أصبح الإسلام، الذي كثيرًا ما تم تشويهه على الصعيد الديني واللاهوتي، يُنظر إليه – وإن لم يحظَ بأهمية كبيرة بحد ذاته – كقيمة ثقافية محايدة، وهي تحوّل في التصوّر لا يمكن التأكيد على أهميته بما فيه الكفاية. وبعد القرن الرابع عشر، عندما بدأت المسيحية تفقد نفوذها في العالم الغربي، لم يجد كثير من الأشخاص، ممن كانوا خارج الطبقة الكهنوتية ولم يعودوا يولون اهتمامًا بالانتقادات التقليدية التي كانت توجهها المسيحية للإسلام، حرجًا في الإشارة إلى الإسلام بوصفه حاضنة لحضارة وثقافة يُعتد بها، تتجاوز الحدود اللاهوتية والجغرافية للمسيحية. وبحسب ما هو معروف عنها في أوروبا الغربية، طُرحت الحضارة الإسلامية – بطريقة غريبة – كنموذج مضاد في مواجهة المسيحية، بغرض رفض الادعاء القائل بأن المسيحية هي الحقيقة الوحيدة والصحيحة عالميًا. هذا الواقع يساعدنا أيضًا في تفسير موقف أوروبا في عصر النهضة تجاه الإسلام: كرهت النهضة الإسلام كدين، لكنها أبدت إعجابًا به كحضارة.
أثناء الحملات الصليبية المندفعة والدامية، وقع في العصور الوسطى تطوّر بالغ الأهمية وغير متوقّع في ميدان الأدب المكتوب المتعلّق بالإسلام. فلأوّل مرّة في التاريخ، تُرجم القرآن إلى اللغة اللاتينية بدعم من اللاهوتي المسيحي بطرس المبجّل (ت. 1156م). وقد قام بالترجمة ﺭﻭﺑﺮﺕ ﺃﻭﻑ ﻛﻴﺘﻮﻥ. أتمّ ﺭﻭﺑﺮﺕ أعماله غير المكتملة في شهر تموز/يوليو من عام 1143م [12]. وكما كان متوقّعًا، لم يكن الدافع الأساسي لترجمة القرآن هو فهم الإسلام بشكل أفضل من خلال قراءة كتابه المقدّس، بل كان الغرض هو التعرّف على “العدو” بشكل أفضل. وأوضح بطرس أسباب تولّيه لمهمة ترجمة القرآن على النحو التالي:
“إذا كان يُنظر إلى هذا العمل على أنه غير ضروري، فإن العدو، بما أنه لا يمكن إيذاؤه بسهولة بمثل هذه الأسلحة، فبإمكاني أن أقول داخل جمهورية المملكة العظيمة، إن بعض الأمور هي للدفاع، وبعضها للزينة، وبعضها لكليهما. الملك سليمان المحب للسلام، جهّز جيوشه من أجل دفاع لم يكن ضروريًّا في زمانه. أما داود، فزيّن المعبد بزينة لم تكن ذات معنى كبير في زمانه. (…) هذا العمل أيضًا، حتى وإن لم يكن في وسعه أن يثني المسلمين عن دينهم، فإن دعم المتعلمين لإخوانهم الضعفاء في الكنيسة الذين لا يتم التسامح معهم لأسباب صغيرة، يُعد تصرّفًا في محلّه” [13].
إذا وضعنا الغاية الحقيقية من ترجمة القرآن جانبًا، فلا بد من القول إن هذا كان تطورًا مهمًّا للغاية. فقد شكّلت هذه الترجمة اتجاه وأُطر الدراسات المتعلقة بالإسلام في العصور الوسطى، ووفّرت لأولئك الذين ينتقدون الإسلام نصًّا يمكن من خلاله توجيه النقد، وأسّست أرضية يمكن أن تُبنى عليها معظم الانتقادات المتوقعة [14]. والتطور الأهم من ترجمة القرآن إلى اللاتينية، هو إدراج نبي الإسلام في التصور المعادي للإسلام لدى العالم المسيحي الأوروبي خلال العصور الوسطى. فعلى الرغم من أن القديس يوحنا الدمشقي هو أول من وصف نبي الإسلام بأنه “نبي كاذب”، فإننا لا نجد أي إشارة إلى النبي المعروف باسم “Mahomet” كشخصية مهمة في الأدبيات المعادية للإسلام، قبل القرن الحادي عشر. ولكن، بعد ترجمة القرآن، ومع إدراج النبي محمد في هذه الصورة، أصبح من الممكن تشبيهه بالدجّال الذي ينذر بنهاية العالم، مما أضفى بعدًا جديدا وإسكاتولوجيًّا جديدًا على تقديم الإسلام كدين مدان وشرير، وهو حكم كان قد صدر مسبقًا.
وقد تأثر هذا التصوير لنبي الإسلام بنفس المشكلة التاريخية التي أشرنا إليها سابقًا، وهي افتقار أوروبا في العصور الوسطى إلى معرفة بالإسلام تستند إلى مصادر أصلية، ونصوص موثوقة، وتواريخ دقيقة. ومن المعروف أنه حتى نهاية القرن الثالث عشر، لم يكن يوجد بين نقّاد الإسلام اللاتينيين شخص واحد يجيد اللغة العربية بشكل كافٍ. ويشتكي الفيلسوف المدرسي الشهير روجر بيكون من أن لويس الحادي عشر لم يتمكن من العثور على شخص واحد يستطيع قراءة وترجمة الرسالة العربية التي تلقاها من سلطان مصر والرد عليها بلغته [15]. في الواقع، لم يتحقق تعليم اللغة العربية بشكل رسمي في أي من الجامعات الأوروبية حتى نهاية القرن السادس عشر. فلم تبدأ دروس اللغة العربية بالانتظام إلا عام 1587، في كلية فرنسا (Collège de France) في باريس. ومع ذلك، فإن أول عمل لاتيني كُتب عن النبي محمد كان بعنوان “فيتا ماهوميتي” (Vita Mahumeti)، وهو من تأليف إمبريكو أوف ماينز (ت. 1077)، الذي استخدم مصادر بيزنطية بشكل انتقائي، وضمّن عمله روايات قبيحة عن الحياة الخاصة والاجتماعية للنبي محمد [16].
الصورة التي ظهرت بعد هذه الدراسات، أي النبي الإسلامي ونشره لهذا الدين الجديد بطريقة تزعج بعض الأشخاص، توافقت إلى حد كبير مع نظريات القيامة التي تعتمد على ظهور الدجال، وهو ما وعد به الكتاب المقدس. وكما هو متوقع، فإن الهواجس اللاهوتية في تلك الفترة لم تسمح بإجراء دراسات علمية موثوقة على مدى القرنين التاليين، ولم تفسح المجال لظهور تصور أكثر إيجابية عن النبي محمد.
الدراسات اللاتينية التي أُجريت حول حياة النبي صلى الله عليه وسلم ووصلت إلى عصرنا الحاضر، جميعها تقريبا لها هدف واحد: إثبات استحالة أن يكون إنسان مثل محمد نبيًّا لله. وهذا يظهر بوضوح في الصورة التي حاولنا عرضها أعلاه. الموضوع الثابت هو الصراع بين الصفات “الدنيوية” للنبي محمد والطبيعة “الأخروية” لعيسى. وفقًا لفكر اللاتينيين، كان نبي الإسلام شغوفًا بالرغبات الجنسية والسلطة السياسية، واستخدم هذين الأمرين لقمع أتباعه والإضرار بالمسيحية، وكان شخصا بلا رحمة تجاه أعدائه، خاصة اليهود والمسيحيين، كما كان يستمتع بممارسة التعذيب والقتل ضد كل من يعارضه. وكان التفسير المنطقي الوحيد للنجاح الكبير للنبي محمد في الساحة الدينية والسياسية هو أنه كان ساحرًا يستخدم قواه السحرية لإقناع الناس وتحويلهم إلى دينه. وقد استمرت الأفكار حول الحالة النفسية للنبي صلى الله عليه وسلم سارية في أوروبا حتى أواخر القرن التاسع عشر. لدرجة أن وليم موير (1819-1905)، وهو موظف بريطاني في الهند وشغل لاحقًا منصبًا إداريًا في جامعة إدنبرة، قد شارك في آراء أسلافه من العصور الوسطى من خلال وصف النبي محمد بأنه “مريض نفسي” في كتابه “حياة محمد” (Life of Mohammed) الذي لم يكن سوى جدال. ومن الممكن في هذا السياق ذكر العديد من التفاصيل، من بينها أن للنبي صلى الله عليه وسلم خلفية مسيحية، وأن جسده الميت قد أكلته الخنازير وفسدت قدسيته، وأنه عُمِّد سرًّا كمحاولة أخيرة لخلاص روحه قبل وقت قصير من وفاته [17].
يمكن اعتبار صورة نبي الإسلام المذكورة أعلاه امتدادًا للاعتراضات القاطعة على صحة الوحي القرآني. في الحقيقة، وبما أن النبي صُوّر على أنه شخص مصاب بالجنون وله روح مليئة بالهلوسات، فإن الارتباط برجل كهذا اسمه محمد كان أكثر إقناعًا في أعين معارضي القرآن. إلى جانب ذلك، هناك سبب لاهوتي أعمق يفسر التركيز على شخصية النبي. فالمسيحية بطبيعتها ديانة “عيسوية”، حيث يُنظر إلى عيسى على أنه كلمة الله المتجسد، ولذلك رأى النقاد اللاتينيون أن لنبي الإسلام نفس الدور في الرؤية الدينية العالمية للإسلام: لا يمكن فهم الإسلام أو رفضه بدون نبيه. لقد واصل رفض القرآن باعتباره كلام الله، وتمثيل النبي محمد كشخص غارق في شهوات دنيوية مؤقتة، وممسوس، وساحر، تشكيل تصور الغرب للإسلام إلى حد كبير حتى العصر الحديث. وربما تكون النتيجة الأكثر إزعاجًا لهذا التصور هي استبعاد الإسلام من عائلة الديانات التوحيدية.
على الرغم من الحوار الثلاثي الذي طُرح في العصر الحديث بين الموسوية والمسيحية والإسلام، نتيجة للجهود المتواصلة التي لا تعرف الكلل من قبل علماء مثل سيد حسين نصر، وإسماعيل راجي الفاروقي، وكينيث كراج، وجون هيكس، فإنه من الواضح أن إدراج الإسلام في الكون الديني التوحيدي، كما هو الحال مع الديانتين الإبراهيميتين الأخريين، ووضعه على قدم المساواة معهما بحيث يمكن الحديث بثقة عن تقليد موسوي-مسيحي-إسلامي، لا يزال أمرًا غير ممكن. إن غياب مثل هذا الخطاب يعزز الصورة السلبية التي ترى في الإسلام دينًا منحرفًا ووثنيًّا، ولا يسمح بتقييم الإسلام ضمن الأطر الدينية، ولا بتناوله على أرضية أكثر شمولًا واحتواءً.
المراجع:
[1] هذه التفسيرات الاعتيادية لانتشار الإسلام وجدت قبولاً حتى بين كتاب أمريكيين في القرن التاسع عشر مثل إدوارد فوستر، وجون هايوارد، وجورج بوش (أول أمريكي كتب سيرة عن النبي محمد)، انظر: فؤاد شعبان، الإسلام والعرب في الفكر الأمريكي المبكر: جذور الاستشراق في أمريكا، ذا أكورن برس، نورث كارولاينا 1991، ص. 40-43 (Islam and Arabs in Early American Thought: The Roots of Orientalism in America).
[2] بحسب أوليغ غرابار، فإن مصطلح (ساراسين) “Saracen” يعود إلى كلمة (ساراكينوي) “Sarakenoi”، ويقول: “أصر يوحنا الدمشقي وآخرون من بعده على أن أصحاب السيطرة الجديدة على المشرق هم ‘الإسماعيليون’، المنبوذون من المجتمع. وبهذا المعنى، فإن المصطلح القديم Sarakenoi يعني ‘الخاليون من سارا’ (ek tes Sarras kenous)، وقد أُطلق على العرب، غالبًا بطريقة ازدرائية، اسم ‘الهاجريون/أبناء هاجر’ (Agarenois)؛ انظر: أوليغ غرابار، قبة الصخرة الأموية في القدس (The Umayyad Dome of the Rock in Jerusalem)، آرس أوريانتاليس، العدد 3 (1959)، ص. 44.
[3] لمزيد من المختارات من كتابات ثاوذورس أبي قرة المعادية للإسلام، انظر: عادل تيودور الخوري، اللاهوتيون البيزنطيون والإسلام: النصوص والمؤلفون (Les Théologiens Byzantins et L’Islam: Textes et Auteurs)، منشورات نوويلارتس، لوفن، 1969، ص. 83-105.
[4] تجدر الإشارة هنا إلى أن مصطلح “إسماعيلي” لا يشير إلى الطائفة الشيعية المعروفة، بل يُقصد به “الشخص من نسل إسماعيل”، أي العرب، ومن ثم المسلمون بشكل عام. إذ كان اللاهوتيون والمؤرخون المسيحيون يعتقدون أن العرب من نسل النبي إسماعيل.
[5] وكان بيدا أول لاهوتي صنّف المسلمين (الساراسين) كأعداء يرفضون أوامر الله المقدسة في الكتاب، انظر: نورمان دانيال، الإسلام والغرب: صناعة الصورة (Islam and the West: The Making of an Image)، أونوورلد، أكسفورد، 1993 (الطبعة الأولى 1960).
[6] دانيال ج. ساهاس، يوحنا الدمشقي عن الإسلام: بدعة الإسماعيليين (John of Damascus on Islam: The “Heresy of the Ishmaelites”)، إي. ج. بريل، لوفن، 1972، ص. 68.
[7] الناقل عن “الهرطقات”، الفقرة 764b: ساهاس، المصدر السابق، ص. 73.
[8] للاطلاع على مسيرة القديس يوحنا الدمشقي في ظل الخلافة الأموية، انظر: ساهاس، المرجع نفسه، ص. 32–48.
[9] ريتشارد ويليام ساذرن، نظرة الغرب إلى الإسلام في القرون الوسطى (Western Views of Islam in the Middle Ages) مطبعة جامعة هارفارد، كامبريدج، 1962، ص. 3.
[10] كما أشار قيدار، فإن هذا الموقف هو نتيجة العلاقات اليومية التي جمعت بين المسيحيين الشرقيين والمسلمين؛ انظر: الحملة الصليبية والرسالة: المواقف الأوروبية تجاه المسلمين (Crusade and Mission: European Attitudes toward the Muslims)، مطبعة جامعة برينستون، برينستون، 1984، ص. 35 وما بعدها.
[11] جُمعت بعض النصوص المناهضة للإسلام التي ألّفها اللاهوتيون البيزنطيون في كتاب عادل تيودور الخوري، بعنوان: اللاهوتيون البيزنطيون والإسلام (Les Théologiens Byzantins et L’Islam). يضم هذا الكتاب نصوصًا بارزة كتبها عدد من اللاهوتيين، مثل: القديس يوحنا الدمشقي، وثاوذورس أبي قرة، ثيوفان المعترف، ونيكيتاس البيزنطي، وﺠورج ﻫﺎﻤﺎرﺘوﻟوس.
[12] لترجمة كيتون انظر: ماري-تيريز دالفيرني، “ترجمتان لاتينيتان للقرآن في العصور الوسطى” (Deux Traductions Latines du Coran au Moyen Age)، أرشيفات التاريخ العقائدي والأدبي للعصور الوسطى (Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen)، المجلد 16، مكتبة ج. فرين، باريس 1948. وقد نُشر نفس المقال أيضًا ضمن العمل التالي للمؤلفة: معرفة الإسلام في الغرب خلال العصور الوسطى (La connaissance de l’Islam dans l’Occident médiéval)، فاريروم، بريطانيا العظمى 1994، المجلد الأول، ص 69-131. في هذا العمل، قامت دالفيرني أيضًا بتحليل الترجمة اللاتينية للقرآن التي أتمّها مرقس الطليطلي، والتي أُنجزت مباشرة بعد ترجمة كيتون. انظر أيضًا: جيمس كريتزك، “ترجمة ﺭﻭﺑﺮﺕ ﺃﻭﻑ ﻛﻴﺘﻮﻥ للقرآن” (Robert of Ketton’s Translation of the Qur’an)، الفصلية الإسلامية (Islamic Quarterly)، المجلد الثاني/ العدد الرابع (1955)، ص 309-312.
[13] نقلًا عن بطرس: سذرن، المرجع نفسه، ص. 38-39. على الرغم من حملته المتعمّدة المعادية للإسلام، فقد دشّن بطرس المُبجّل (Peter the Venerable) مرحلة جديدة في دراسات الإسلام الأوروبية في العصور الوسطى؛ انظر: جيمس كريتزك، “بطرس المبجل والإسلام” (Peter the Venerable and Islam)، مطبعة جامعة برينستون، برينستون 1964، ص. 24-36.
[14] قارن: كينيث ماير سيتون، “العداء الغربي للإسلام ونبوءات الدمار التركي” (Western Hostility to Islam and Prophecies of Turkish Doom)، الجمعية الأمريكية للفلسفة، فيلادلفيا 1991، ص. 47-53.
[15] انظر: جيمس ويندرو سويتمن، الإسلام واللاهوت المسيحي (Islam and Christian Theology)، لوتروورث، لندن 1955، الجزء 2، المجلد الأول، ص. 98-99. وقد أشارت ماري-تيريز دالفيرني إلى نفس المشكلة في مقالتها المهمة التالية: “معرفة الإسلام في الغرب من القرن التاسع حتى منتصف القرن الثاني عشر” (La connaissance de l’Islam en Occident du IXe au milieu de XIIe siécle)، ضمن: أسابيع الدراسة للمركز الإيطالي للدراسات حول العصور الوسطى المبكرة (Settimane di studio del Centro italiano di studi sull’alto medioevo)، العدد 12، “الغرب والإسلام في العصور الوسطى المبكرة” (L’Occidente e l’Islam nell’alto medioevo)، سبوليتو، 2-8 أبريل 1964، المجلد الثاني، سبوليتو، 1965. وقد أُدرجت هذه الدراسة لاحقًا ضمن كتاب: معرفة الإسلام في الغرب خلال العصور الوسطى (La connaissance de l’Islam dans l’Occident medieval)، المجلد الخامس، ص. 577-578.
[16] انظر: جون تولان، “مناهض للسيرة التقديسية: فيتا ماهوميتي لإمبريكو أوف ماينز” (Anti-Hagiography: Embrico of Mainz’s Vita Mahumeti)، مجلة التاريخ في العصور الوسطى (Journal of Medieval History)، العدد 22 (1996)، ص. 25-41. كما يذكر سذرن في نفس المرجع عملين آخرين مهمين من نفس الحقبة؛ الأول: “أوتيا دي ماتشوميت” (Otia de Machomete)، الذي كتبه والتر أوف كومبيين بين عامي 1137-1155، والثاني: “أعمال الله من خلال الفرنجة” (Gesta Dei per Francos)، الذي جمعه غيبرت أوف نوجينت في أوائل القرن الثاني عشر، ويتضمن فصلًا مخصصًا عن نبي الإسلام؛ انظر: سذرن، المرجع نفسه، ص. 30.
[17] لمزيد من المعلومات حول تصوّر نبي الإسلام في الغرب من العصور الوسطى وعصر النهضة حتى يومنا هذا، انظر: كلينتون بينيت، “في البحث عن محمد” (In Search of Muhammad)، كاسل، لندن – نيويورك 1998، ص. 69-92 و93-135؛ نورمان دانيال، “الإسلام والغرب: صناعة صورة” (Islam and the West: The Making of an Image)، ص. 100-130. ولمراجعة نقدية لآراء ثلاثة علماء مستشرقين حول نبي الإسلام، انظر: جبل محمد بوابن، “صورة النبي محمد في الغرب: دراسة لكل من موير – مرجليوث – وات” (Image of the Prophet Muhammad in the West: A Study of Muir, Margoliouth and Watt)، مؤسسة الإسلام، ليستر 1996.