في يوم الخميس (28 آب/أغسطس 2025)، قامت كل من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا (المجموعة الأوروبية E3) رسميا بتفعيل آلية “سناب باك” (United Nations Snapback Mechanism under UNSC Resolution 2231 / آلية إعادة عقوبات الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231)، والتي تنص على إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران. هذه المبادرة تؤدي إلى إطلاق عملية مدتها 30 يومًا ستؤدي إلى إعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة التي كانت معلقة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (Joint Comprehensive Plan of Action – JCPOA) لعام 2015. عند تفعيل آلية “سناب باك”، سيتم إعادة تطبيق العقوبات الشاملة على إيران بشكل تلقائي، وهي العقوبات التي سبق رفعها. تشمل هذه العقوبات بشكل أساسي إعادة تفعيل القيود التي تم إنشاؤها بموجب قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1737 (2006)، و1747 (2007)، و1803 (2008)، و1929 (2010)، والتي تم تعليقها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. وبناءً على ذلك، سيتم إعادة تطبيق القيود الشاملة على أنشطة تخصيب اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل في إيران؛ والقيود المفروضة على برنامج الصواريخ الباليستية ذات القدرة على حمل أسلحة نووية؛ وحظر توريد ونقل الأسلحة التقليدية؛ والقيود المالية الدولية على القطاع المصرفي الإيراني وخاصة البنك المركزي؛ وحظر صادرات النفط والبتروكيماويات؛ والقيود على قطاعي الشحن والتأمين؛ بالإضافة إلى إعادة فرض حظر السفر وتجميد الأصول على الأفراد والمؤسسات المرتبطة بالبرنامج النووي.
يقدم المسؤولون الأوروبيون هذه الخطوة باعتبارها أداة استراتيجية بهدف “إنقاذ الدبلوماسية النووية” وزيادة الضغط على إيران. جاء قرار تفعيل الآلية أساسًا بسبب رفض إيران للشروط المسبقة التي طرحتها المجموعة الأوروبية E3. كانت هذه الشروط المسبقة تتكون من ثلاثة عناصر أساسية: الأول، إخضاع المخزون المقدر بحوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب وذي الموقع غير المعلن للرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ الثاني، منح حق الوصول غير المحدود للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ الثالث، استئناف المفاوضات المباشرة بين طهران وواشنطن. بعد رفض إيران هذه المطالب، بادرت المجموعة الأوروبية E3 إلى تفعيل آلية “سناب باك”. بعد المفاوضات التي احتضنتها جنيف في يونيو/حزيران 2025 والتي انتهت دون نتيجة، حققت الأطراف تقدمًا محدودًا في المحادثات التي استضافتها إسطنبول في يوليو/تموز 2025، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم خاصة فيما يتعلق بمراقبة مخزون اليورانيوم ووصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الإطار القانوني لآلية “سناب باك”
تمثل آلية “سناب باك” واحدة من أكثر أدوات الرقابة أهمية وإثارة للجدل في خطة العمل الشاملة المشتركة. تتيح الآلية التي أنشأها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 لأي دولة طرف في الاتفاقية طلب إعادة فرض العقوبات من خلال الادعاء بأن الطرف الآخر “لم يفي بالتزاماته إلى حد كبير”. على عكس إجراءات الأمم المتحدة المعتادة، تتجاوز آلية سناب باك ضرورة الحصول على تسعة أصوات مؤيدة وحق النقض (الفيتو) للأعضاء الدائمين، مما يمنح الدول المشاركة القدرة على بدء العملية من جانب واجد. أما السياق التاريخي للآلية، فقد تبلور بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018 وتحول سياسة “الضغط الأقصى” التي تلت ذلك. هيأت هذه العملية الأرضية لخرق إيران التدريجي لالتزاماتها النووية بموجب الاتفاق. استشهدت دول المجموعة الأوروبية E3 بانتهاكات إيران لالتزاماتها النووية في الاتفاقية وقامت في عام 2020 بتفعيل آلية تسوية المنازعات (Dispute Resolution Mechanism) بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. في الفترة التالية، انتهت المفاوضات التي أجريت في فيينا خلال عامي 2021-2022 دون نتيجة بسبب عدم تحقيق توافق أساسي بين الأطراف. وفي يونيو/حزيران 2025، أضعف الهجوم العسكري الإسرائيلي والمشاركة الأمريكية الأرضية الدبلوماسية بشكل كبير؛ مما جعل اللجوء الأوروبي إلى “سناب باك” بمثابة خيار استراتيجي لا مفر منه.
المنظور الإيراني: موقف استراتيجي ضد “سناب باك”
ترفض إيران صلاحية دول الدول الأوروبية الثلاث لبدء آلية “سناب باك” وتزعم أن هذه الدول “قد فقدت فعليًا وضعها كأطراف مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة”. تبني طهران هذا الموقف على حجتين أساسيتين. أولاً، تدعي أن الدول الأوروبية لم تتمكن من توفير المكاسب الاقتصادية الموعودة لإيران بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاقية في عام 2018. ثانيًا، تؤكد أن مواقف أوروبا بعد الهجمات الأخيرة عكست عداءً صريحاً في سياق الهجمات التي وقعت في يونيو/حزيران. في هذا الإطار، أدى تصور “أن إسرائيل تتصرف باسم الغرب” والذي انعكس أيضًا في تصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى مزيد من إضعاف ثقة إيران بأوروبا. وفقًا لإيران، تخدم آلية “سناب باك” هدفين استراتيجيين أساسيين لأوروبا. الأول، معاقبة تحالف طهران مع موسكو في سياق الحرب في أوكرانيا وإظهار أن دعم روسيا مكلف؛ الثاني، تعزيز انسجام أوروبا مع سياسات الولايات المتحدة المتشددة في فترة هشة من العلاقات عبر الأطلسي. لذلك، ترى إيران أن “سناب باك” ليس مجرد عملية عقوبات فنية عند انسداد الدبلوماسية، بل هو أيضًا خطوة استراتيجية.
وضعت طهران شرطاً أساسياً في المفاوضات يتمثل في الحصول على ضمانات بعدم قيام الولايات المتحدة بأي عمل عسكري. ومع ذلك، نظرًا لأن مثل هذا الالتزام يمكن تحقيقه فقط من خلال مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن، فإن الدول الأوروبية غير قادرة على تقديم مثل هذه الضمانات؛ ولا تستطيع إيران الحصول على هذه الضمانة دون اتصال مباشر مع الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، على الرغم من أن إيران لديها القدرة على تحسين تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها تواصل الحفاظ على مخزون اليورانيوم عالي التخصيب خارج الرقابة الدولية كأداة مساومة استراتيجية. لذلك، فإن تفعيل آلية “سناب باك” مقابل تأجيل لمدة ستة أشهر لا يخلق حافزًا لإيران للتخلي عن المزايا النووية الحالية.
من المتوقع أن ترد إيران على عملية “سناب باك”. فقد طرح المسؤولون احتمال انسحاب إيران من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) كرد على هذا الوضع؛ تتطلب هذه العملية بموجب المادة العاشرة من المعاهدة إشعارًا لمدة ثلاثة أشهر. لكن هذا التهديد يبدو أقرب إلى موقف أقصى للضغط، ويترك مجالًا لإيران لاتخاذ خطوات أكثر محدودية ولكنها لا تزال مهمة في التزامات منع الانتشار الدولية. على سبيل المثال، يمكن لإيران، دون الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، إنهاء اتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 1974؛ وهذا الاتفاق يوفر الإطار القانوني الذي يمنح الوكالة صلاحية الوصول إلى المواد النووية في إيران ومراقبتها.
المواقف المحتملة لروسيا والصين والصعوبات في التطبيق
على الرغم من أن المجموعة الأوروبية E3 قد قامت بتنسيق العملية مع واشنطن، إلا أنه من المتوقع أن تنتقد روسيا والصين هذه الخطوة. أجرت طهران مؤخرًا مفاوضات ثنائية وثلاثية مع موسكو وبكين؛ واستعدادًا لآلية “سناب باك”. وصفت روسيا خطوة المجموعة الأوروبية E3 بأنها مبادرة “لا تستند إلى أساس سياسي أو قانوني”، بينما شددت الصين على أن ذلك “سيزيد من التوتر ويقوض الجهود الدبلوماسية”. قدم كلا البلدين مذكرات رسمية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحتوي على اعتراضاتهما. محاولة المجموعة الأوروبية E3 إكمال العملية قبل أن تتولى روسيا رئاسة المجلس في أكتوبر/تشرين الأول تعكس النية لمنع عراقيل إجرائية محتملة من موسكو. ولكن حتى إذا تم بدء “سناب باك”، يمكن لروسيا والصين استخدام طرق مختلفة لإعاقة تطبيق العقوبات المعاد فرضها. من ناحية أخرى، من غير المرجح أن تحظى خطوة جذرية مثل انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار بدعم من روسيا والصين المعارضتين للمجموعة الأوروبية E3.
الآثار المحتملة لآلية “سناب باك”
من المتوقع أن يطلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من إيران وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم. لكن برنامج تخصيب اليورانيوم يعتبر عنصرًا مركزيًا في البرنامج النووي الإيراني والسيادة الوطنية. ترى طهران هذا المطلب كشرط أساسي غير قابل للتفاوض دبلوماسيًا. وهذا هو السبب الأساسي لجمود المفاوضات النووية مع إدارة ترامب. في هذا السياق، سوف تضطر إيران في النهاية إلى الاختيار بين برنامجها النووي وأمن النظام. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة فرض حظر الأسلحة التابع للأمم المتحدة الذي انتهى في عام 2020 من خلال آلية سناب باك قد يحد من قدرة إيران على توريد الأسلحة التقليدية. لكن إذا امتنعت جهات فاعلة رئيسية مثل روسيا والصين عن الاعتراف بالعقوبات أو قيدوا تطبيقها، فقد يكون تأثير الحظر محدودًا. من الناحية الاقتصادية، على الرغم من أن العقوبات قد لا تخلق ضغطًا اقتصاديًا مباشرًا مثل العقوبات الأمريكية أحادية الجانب، إلا أنها تعمل كأداة ضغط رمزية ونفسية على النظام في ضوء الأزمة الاقتصادية التي عانت منها إيران في السنوات الأخيرة والهجمات الجوية التي وقعت في يونيو/حزيران. في سياق الأمن الإقليمي، يمكن اعتبار تفعيل آلية سناب باك كأساس قانوني وسياسي دولي محتمل لإجراءات عسكرية ضد إيران، خاصة من وجهة نظر إسرائيل. أظهرت الهجمات التي وقعت في يونيو/حزيران 2025 ميل إسرائيل للتدخلات أحادية الجانب، ويمكن لآلية سناب باك أن يوفر أساسًا معينًا للشرعية لمثل هذه الإجراءات.
في الختام، فإن آلية سناب باك التي بدأتها المجموعة الأوروبية E3 سيكون لها آثار دبلوماسية واستراتيجية على البرنامج النووي الإيراني وديناميكيات الأمن الإقليمي. بينما تثير هذه العملية استخدام صلاحيات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إطار القانون الدولي، فإن الحفاظ على القدرة النووية الحالية وضمان استمرارية المزايا الاستراتيجية يظل أولوية أساسية من وجهة نظر إيران. قد يؤدي تطبيق سناب باك القدرة إلى خلق ضغط اقتصادي وعزل دبلوماسي على إيران على المدى القصير، إلا أنه يحمل في نفس الوقت خطر تقليص مجالات الحل الدبلوماسي والتعاون الدولي على المدى الطويل. في هذا السياق، تبرز مواقف روسيا والصين، والمناورات الاستراتيجية الإيرانية، والتهديد الإسرائيلي كعوامل حاسمة في المراحل التالية من العملية.