الملك عارٍ يا قادة الغرب!

من دون إسقاط هيمنة الغرب الاستعماري وأداته الأمم المتحدة، يستحيل وقف المشروع الإسرائيلي الإبادي، وعودة الأمم المتحدة إلى الساحة ليست سوى نذير بجرائم أكبر وأكثر وحشية. ما لم تتحطم عجلة القدر البائسة، فإن الطقوس وإن تغيّرت، والوجوه وإن تجددت، ستظلّ الصهيونية تمارس النهب والاحتلال والظلم بلا توقف.
16/08/2025
image_print

طبّق جميع قادة الكيان الإسرائيلي المحتلّ والاستعماري حرفيا الوصفة الإمبريالية التي وضعتها أيدي أسيادهم الغربيين، بدءا من دافيد بن غوريون إلى غولدا مائير وأرييل شارون وحتى بنيامين نتنياهو. أما الرأي العام الدولي، فلم يبدأ إلا مؤخرا، وبذهول، في طرح السؤال: كيف للعالم أن يغض الطرف عن هذه الإبادة المنهجية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948؟ ولماذا لا يتحرك، أو لا يستطيع أن يتحرك، حتى الآن؟

الجواب بسيط: لأن هذا العالم هو عالمهم. هم من يضع القوانين، وهم من ينسج النظام. ولن يتغيّر شيء ما لم يُهدم هذا النظام. أما المؤسسات مثل الأمم المتحدة، فهي ليست سوى أدوات مقنّعة للنظام الاستعماري الذي تفرضه أوروبا وأمريكا.

منذ تأسيسها، كانت الأمم المتحدة الأداة الأكثر صقلا لاستراتيجية «فرّق تسد» التي يتبناها العقل الأنكلوساكسوني الاستعماري. مهمتها تقسيم الأرض إلى أكبر عدد ممكن من الدول الصغيرة، وإخضاعها جميعا للوصاية.

المملكة المتحدة التي أعلنت، عبر وعد بلفور عام 1917، فلسطين وطنا قوميا لليهود، سلّمت خطة الاحتلال إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، قسّم القرار 181 فلسطين إلى قسمين: أُعلن قيام دولة إسرائيل فورا، بينما أُجهض قيام الدولة الفلسطينية في كل مرة. كان البابا شنودة الثالث البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، شخصية تاريخية، ليس فقط زعيما دينيا، بل صوت العدالة والضمير في العالم العربي.

وقد شكّلت كلماته التالية تمرّدا لاهوتيا، وتحديا سياسيا في قضية فلسطين: «إسرائيل الحالية ليست شعب الله المختار، وإن اليهود جاءوا إلى فلسطين بوعد من بلفور، وليس بوعد من الله». هذه العبارة كانت رفضا صارما للخطاب الصهيوني الذي يسيء استخدام النصوص المقدسة. أعلن شنودة أن احتلال فلسطين ليس حقا إلهيا، بل هو مشروع إمبراطوريّ. وقف البابا شنودة ضد من يحاولون تدنيس أمر الله بالعدل، لمصالح سياسية.

وقد خلدت الذاكرة موقفه، حين رفض اتفاقية كامب ديفيد والتطبيع مع إسرائيل، وامتنع عن مرافقة أنور السادات في زيارته للقدس، وأقسم قائلا: «لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين». كما أصدر عام 1980 قرارا كنسيا يمنع الأقباط من زيارة القدس، وكان ذلك أحد الأختام المؤسسية لهذا الموقف المقاوم. لذلك لُقّب بـ بـ»بابا العرب». ما جرى في فلسطين على مدى قرن، كُتب بين صفحات المشروع الإمبريالي، واليهود لم يتجاوزوا كونهم أدوات رخيصة له.

أما اليوم، فقد حان دور ضم غزة والضفة الغربية. الفلسطينيون وحدهم من يقاتلون من أجل فلسطين، بعد الانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، اضطرّت إسرائيل للاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، الذي أنكرت وجوده، لكن هذا الاعتراف جاء في ظل سلطة فلسطينية شكلية. أما اليوم، فإن ملف «حل الدولتين» الذي أُركن على رفوف الدول العالمية وقد علاه الغبار، يعود إلى الواجهة بفضل مقاومة غزة. غير أن قرارات مجلس الأمن الصورية ما هي إلا مسرحية لامتصاص الغضب العالمي المتصاعد.

ومن دون إسقاط هيمنة الغرب الاستعماري وأداته الأمم المتحدة، يستحيل وقف المشروع الإسرائيلي الإبادي، وعودة الأمم المتحدة إلى الساحة ليست سوى نذير بجرائم أكبر وأكثر وحشية. ما لم تتحطم عجلة القدر البائسة، فإن الطقوس وإن تغيّرت، والوجوه وإن تجددت، ستظلّ الصهيونية تمارس النهب والاحتلال والظلم بلا توقف.

المصدر: القدس العربي

Turan Kışlakçı

توران قشلاقجي
أكمل تعليمه العالي في إسلام آباد وإسطنبول. بدأ مسيرته الصحفية في مرحلة الدراسة الإعدادية، وعمل محررًا للأخبار الخارجية في صحيفة "يني شفق". قشلاقجي هو مؤسس موقعي "دنيا بولتيني" و"تايم تورك". وشغل منصبي رئيس تحرير منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في وكالة الأناضول، والمنسق العام لقناة "تي آر تي عربي". كما ترأس جمعية الإعلاميين الأتراك - العرب وجمعية "مهجر"، وعمل مستشارا في وزارة الثقافة القطرية. ويقدم حاليًا برنامج "البرج العاجي" على قناة "إيكول تي في"، ويكتب مقالات في صحيفة "القدس العربي". وألّف كتابين عن الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.