المشروع التحديثي للتحالف الأميركي ـــــ الإسرائيلي

إن المشروع في الهيمنة لا يتطلب بالضرورة غزو عسكري شامل، ولكنه مشروع النفوذ المطلق وتقسيم البلدان الكبرى، وتفتيت أي إمكانية لقوة عربية متحدة ومشروع تقسيم سوريا، القائم بين أعيننا مجرد مقدمة، فالأمن الخليجي العربي هنا، متصل وجودياً بالأمن القومي العربي، والدول الكبرى ذات المساحات الشاسعة هدف عند الصهاينة، ولكن ماذا عن المشروع الأميركي المستثمر في هذه الدول!
27/09/2025
image_print

تزامن انعقاد القمة العربية الإسلامية في الدوحة، للتضامن مع دولة قطر تجاه العدوان الذي تعرضت له، مع قمة أخرى عُقدت في تل أبيب بين مجرم الحرب نتانياهو ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ونحن نذكّر الآن بأن هذه الأيام، هي الأشد في حرب الإبادة على غزة، ورغم أثر الصدمة الدولية لتوسيع تل أبيب اعتداءاتها، على المحيط الجغرافي، والذي عُبّر عنه في مجلس الأمن في الجلسة المخصصة لمناقشة العدوان، وحتى في القرار الأممي، إلا أنه لا أثر يذكر لوقف العدوان على غزة، ولا حتى في أدنى شعور تضطرب فيه تل أبيب.

ولا يوجد تفسير عملي حقيقي لما يجري، إلا أنه سر الدعم الأميركي المطلق.

ومراجعة خلاصات قمة تل أبيب في فلسطين المحتلة، هو دليل يقيني على ما نتحدث عنه، وهو ما أشعر المجتمع العالمي، بأن الصهيونية الجديدة فتحت لها الأبواب بلا حدود، نحو نازية التوحش الإرهابي، وأنها، وهذا المهم تحظى بدعم قوي من البيت الأبيض، هذا ما يقوله مؤتمر نتانياهو وروبيو وليس تحليلنا السياسي.

وهذا لا يلغي أهمية التفاعل الدبلوماسي الذي عبرت عنه المنظمات الدولية، ومؤتمر القمة العربي الإسلامي، حول الهجوم الحربي على قطر، لكننا هنا نعيد رسم المشهد الواقعي وأثره على الجغرافيا العربية، في الزمن الذي أُطلقت فيه القوة الصهيونية، كذراع مسلح يسيطر على أجواء المنطقة، ويُخضعها لمشروعه، فما هو المشروع الأخير بنص تصريح نتانياهو، أليس إسرائيل الكبرى!

والجميع يعرف الخرائط التي تعبر عليها إسرائيل الكبرى، فالقضية هنا ليست في اعتداء طارئ على الدوحة، ولكنه في بيان عسكري سياسي، أعلن إشهاره، وكان سر تمكنه إطلاق كل قوته لإبادة غزة، وحين تمكن من إبادتها اندفع للخطة (ب)، فخذلان غزة هو السر في هذا التوحش وأيضا الدعم.

إذ إن الداعم الأميركي لم يجد من الدول العربية والإسلامية ذات المصالح معه، ما يغطي مساحة الحد الأدنى من الرفض وتأثر مصالحه فيها، فلم يجد البيت الأبيض أي إشكال، في تحديث الدعم، حتى بعد العدوان على قطر.

والحقيقة أن هناك بنية لجذور فكرية عميقة سابقة، في هذا البناء الأيدلوجي السياسي لعقيدة أميركا الجديدة، سبقت مشروع وحدة الساحات الإيرانية التي دُفعت فيه غزة إلى مذبحها، وقد ارتدت بعض معاركها على قطر أيضا ضمن الصراع الأميركي – الإيراني المقنن.

يقول بيت هيغسيث وزير الحرب الأميركي في كتابه (الحملة الصليبية الأميركية.. معركتنا لنظل أحراراً): «إن اللحظة الراهنة تشبه القرن الحادي عشر، حيث كان المسيحيون يُحتمّ عليهم القتال للدفاع عن حضارتهم ضد توسع إسلامي»، فهو يدعو إلى حرب مواجهة باسم الدفاع عن (القيم) المسيحية – الأميركية، وفي المقال السابق ذكّرنا بأن الحركة الصهيونية منذ ولادتها، كانت تحتج على العالم الغربي وخاصة الأميركي اللبرالي الجديد، الذي نشأ في ظل مزدوجٍ جمع بين فلسفة التفوق للعرق الغربي، وتوحش الرأسمالية الغربية، التي غزت العالم لتأمين تدفق مصالحها، على حساب شعوب العالم الجنوبي.

فقد كان احتجاج الآباء المؤسسون للصهيونية هو أن إبادة سكان فلسطين، يتطابق مع مفهوم الإبادة للمستعمرات الغربية، وهو المشروع الذي نُفذ بالفعل، لكن نموذج التوحش في غزة، فاق كل تصور آدمي في الزمن المعاصر، ولذلك تخرج قوى شعبية متعددة في الغرب، للتنديد بمحرقة غزة، وبدأت بعض هذه القوى، تدرك الصدمة في المشترك الغربي – الإسرائيلي في فكر الإبادة، ولذلك تتضامن بقوة مع غزة.

فمن الغائب اليوم، ومن أرضه وشعبه هو الضحية المجدولة، إنه الأوطان العربية، وحتى الدول الإسلامية، باتت تُهدّد بهذا النفوذ المعربد، تحت الرضا الأميركي، إن من الغباء أو من التواطؤ، أن تعتقد بعض البلدان أن قضية غزة نهاية مرحلة، هذا ما يقول خلافه نتانياهو وما يدعم به أميركياً، وقد شاهدت بعض التغطيات العربية في هذا المعنى، إن الخرائط التي بشر بها الكيان الصهيوني، جاري العمل عليها بالفعل، والسودان واحد من ضحاياه، ولذلك تلك المناطق التي طالب بها نتانياهو، لترحيل المتبقي من أهل غزة، هي ضمن هذه الأهداف الإستراتيجية، التي خطط لها الكيان من قبل.

إن المشروع في الهيمنة لا يتطلب بالضرورة غزو عسكري شامل، ولكنه مشروع النفوذ المطلق وتقسيم البلدان الكبرى، وتفتيت أي إمكانية لقوة عربية متحدة ومشروع تقسيم سوريا، القائم بين أعيننا مجرد مقدمة، فالأمن الخليجي العربي هنا، متصل وجودياً بالأمن القومي العربي، والدول الكبرى ذات المساحات الشاسعة هدف عند الصهاينة، ولكن ماذا عن المشروع الأميركي المستثمر في هذه الدول!

اليوم يستثمر الغرب في دولة، وغداً يستثمر في دويلات مقسمة راعيها الأكبر تل أبيب.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.