إسرائيل ليست استمرارًا للاستعمار الأبيض، بل تقليد رديء له

استغل الاستعمار الغربي باسم الله؛ أما الاستعمار الإسرائيلي فيمحو باسم الله. الأول تضمن ”تحولًا“، والثاني ”تطهيرًا“. الأول ادعى أنه ”يجلب الحضارة“؛ والثاني يهدف إلى ”القضاء على السكان الأصليين“. هذا التمييز حول فلسطين إلى أكثر مختبر استعماري صارخ ووحشي في التاريخ الحديث. لم يعد هناك أي مهمة أو ادعاء بالحضارة — فقط سياسة الإبادة والطرد.
25/10/2025
image_print

التشريح اللاهوتي والأيديولوجي للتشريد في فلسطين

مستعمرة أقيمت في ظل المقدس

قضية فلسطين واللاجئين الفلسطينيين ليست مجرد احتلال حديث، بل هي مظهر معاصر للعقلية الاستعمارية البيضاء التي استمرت لقرون.

ومع ذلك، فإن هذا المثال ليس ”استمرارًا“ لأنماط الاستعمار الكلاسيكية، بل هو نسخة مشوهة ومتحولة.

تشترك استراتيجية إسرائيل في تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وإضفاء الشرعية على كل ذلك بخطاب ”وعد الله“ في جذورها المشتركة مع الممارسات الاستعمارية للبريطانيين والأمريكيين والهولنديين وحتى الإسبان والبرتغاليين.

ومع ذلك، هناك فرق جوهري:

كان الاستعمار الغربي قائمًا على مهمة نشر الدين؛ أما الاستيطان الإسرائيلي فليس قائمًا على نشر الدين، بل على القضاء على غير المتدينين.

في أستراليا، كانت ”مهمة الله في تحضير البشرية“؛ وفي أمريكا، ”القدر المحتوم“؛ وفي أفريقيا، ”عبء الرجل الأبيض“ البريطاني؛ وفي إسرائيل، ”أرض إسرائيل“ (الأرض الموعودة)…

كلها أيديولوجيات غزو مخبأة وراء نصوص مقدسة، لكن نسخة إسرائيل تختلف عن هذا الخط: هناك، الخطاب ليس ”الخلاص“ بل التطهير.

  1. الإمبراطوريات التبشيرية: الاستعمار القائم على نشر الدين

1.1. أستراليا: الإبادة الجماعية الثقافية تحت ستار التحويل إلى المسيحية

تعامل الاستعمار البريطاني مع أستراليا في القرن الثامن عشر على أنها ”قارة الله الجديدة“.

وصف المبشرون السكان الأصليين بأنهم ”أرواح متوحشة“ واعتبروا تنصيرهم واجبًا إلهيًا.

كان هذا العملية ”الإصلاح الديني“ غطاءً للإبادة الثقافية.

تم حظر لغات السكان الأصليين، وتم انتزاع الأطفال من عائلاتهم وتجريدهم من هويتهم تحت ستار ”الحضارة“ في المدارس التبشيرية.

لكن الهدف لم يكن القضاء على السكان الأصليين، بل تحويلهم.

سعى الاستعمار الغربي إلى نشر دينه جنبًا إلى جنب مع تفوقه العرقي.

بمعنى ما، قام بتحويلهم تحت ذريعة ”إنقاذهم“، ثم استغلهم.

اليوم، استراتيجية إسرائيل قضت تمامًا على هذه المرحلة:

فالفلسطينيون لا يُصنفون كشعب ”يجب إنقاذه“، بل كشعب ”يجب محوه“.

1.2. أمريكا: ”القدر المحتوم“ وأيديولوجية الشعب المختار

  1. ارتبط الاستيطان الأمريكي في القرن التاسع عشر بإرادة الله من خلال مفهوم ”القدر المحتوم“.
  2. وفقًا لهذه الأيديولوجية، كان الأمريكيون ”الشعب المختار الجديد“ من الله، وكان باقي القارة ”الأرض الموعودة“.
  3. كان تهجير السكان الأصليين الأمريكيين وحرق القرى وموت عشرات الآلاف على ”طريق الدموع“ يعتبر كله جزءًا من هذا المخطط الإلهي.

ومع ذلك، حتى خلال هذه العملية، ظلت ”المهمة المسيحية“ قوية.

كان من المقرر تعميد القبائل واستيعابها وإدخالها في دائرة ”الحضارة“.

كان من الممكن تقديم العنف الاستعماري على أنه ”مهمة خلاصية“.

لكن في خطاب إسرائيل، لا يوجد هدف ”خلاصي“ أو ’تحويل‘.

فاليهودية ليست ديانة تبشيرية؛ ”لا يمكن للمرء أن يصبح يهوديًا دون أن يولد يهوديًا“.

لذلك، فإن الأساس اللاهوتي لإسرائيل ليس التوسع بل الاستبعاد؛ ليس الغزو بل التطهير.

هذا الاختلاف يجعل الاستعمار الإسرائيلي أكثر انغلاقًا وأكثر مطلقية وأكثر نفيًا من نظرائه الغربيين.

1.3. أفريقيا: ”عبء الرجل الأبيض“ وما يسمى بالآلهة المنقذة

أضفت قصيدة ”عبء الرجل الأبيض“ للشاعر الإنجليزي روديارد كيبلينغ طابعاً مقدساً على المهمة الإلهية للأوروبيين.

تُنظر إلى أفريقيا على أنها ”القارة المظلمة“، بينما يُصوَّر الأوروبيون على أنهم ”منقذون يجلبون نور الله“.

كان الهدف مرة أخرى هو التحويل — من الأسود إلى الأبيض، ومن السكان الأصليين إلى المواطنين العصريين، ومن الوثنيين

إلى المسيحيين. وراء كل ذلك كان هناك ”وعد بالحضارة“.

لا تحمل استراتيجية إسرائيل في فلسطين هذه المهمة.

لا يُعرّف الفلسطينيون على أنهم شعب ”يحتاج إلى الخلاص“، بل على أنهم شعب ”يحتاج إلى التطهير“.

يستند الخطاب الديني الإسرائيلي، على عكس النموذج التبشيري المسيحي، إلى مبدأ ”الله أعطانا إياها؛ لا مكان للآخرين“.

  1. فلسطين: ليست مستعمرة تبشيرية، بل مستعمرة احتكارية

2.1. عقيدة ”أرض إسرائيل“ والوضع الانتخابي المغلق

جمعت الصهيونية بين فهم التوراة لـ ”الأرض التي وعد الله بها إبراهيم“ ونموذج الدولة القومية الحديثة لخلق نموذج جديد: ثيوقراطية إقصائية.

على عكس المسيحية التبشيرية، لا يدعي هذا النموذج العالمية. يتم الحفاظ على الهوية اليهودية كوضع بيولوجي وعرقي وتاريخي؛ لا يمكن لأي شخص من الخارج أن ينضم إلى هذا الوضع المختار. وهذا ما يميز الاستيطان الإسرائيلي عن الاستعمار الكلاسيكي: فبينما سعت الإمبراطوريات الغربية إلى ”تحويل الآخرين“، تسعى إسرائيل إلى ”القضاء على الآخرين“. في اللاهوت الصهيوني، يمثل الآخر تهديدًا يجب القضاء عليه، وليس تحويله.

2.2. القدس وتقديس الحرب

يتم تقديم القدس على أنها ”المركز المقدس“ الذي تتجلى فيه إرادة الله، في حين يُنظر إلى وجود الفلسطينيين على أنه ”عقبة أمام خطة الله“.

هذا يتجاوز خطاب ”المهمة الحضارية“ للاستعمار الكلاسيكي: إنها الآن فترة تطهير إلهي.

حتى جهود إسبانيا لـ”تنصير“ المسلمين خلال فترة الاسترداد كانت نوعًا من ’التحويل‘.

لكن نهج إسرائيل تجاه الفلسطينيين هو عقيدة ”الخلاص من خلال الإبادة“ — وبالتالي فهو أكثر تدميرًا من الناحيتين اللاهوتية والأخلاقية.

  1. المستوطنات الإسرائيلية: من الاستعمار إلى التطهير

3.1. مفهوم ”التطهير الديموغرافي“

سمح المستعمرون الغربيون للشعوب المستعمرة بالبقاء اقتصاديًا وثقافيًا لأنهم كانوا بحاجة إليها كـ”قوة عاملة“.

لكن في النموذج الإسرائيلي، الهدف هو القضاء التام على الفلسطينيين.

خرائط المستوطنات هي الشكل الهندسي لـ ”هندسة القضاء على السكان“: الاكتظاظ المتعمد، وحواجز الوصول، وندرة المياه، وانهيار النظام الصحي.

3.2. ليس ’إنقاذًا‘، بل ”تجريدًا من الجذور“

كان الاستعمار الغربي يهدف إلى الاستيعاب الثقافي.

إلا أن إسرائيل لا تهدف إلى تجريد الناس من جنسيتهم، بل إلى القضاء على هويتهم.

لأنه في العقيدة الصهيونية، حتى وجود الآخر يتعارض مع وعد الله.

  1. تطور الاستعمار الأبيض: من الإيمان إلى التكنولوجيا

اليوم، تغيرت أدوات هذه العقلية.

حلّت الخوارزميات محل الله، وحلّ ضباط المخابرات محل المبشرين، وحلت قوائم الأهداف محل الكتب المقدسة.

أصبح ”الجدار الأمني“ الإسرائيلي و”المراقبة البيومترية“ و”مستعمرات الطائرات بدون طيار“ الأدوات الرقمية للاستعمار في العصر الحديث.

لكن الهدف الأساسي لا يزال كما هو: القضاء على ”هم“ من أجل حماية ”نحن“.

النتيجة: العصر الذي انتهت فيه المهمة وبدأت الإبادة

استغل الاستعمار الغربي باسم الله؛ أما الاستعمار الإسرائيلي فيمحو باسم الله.

الأول تضمن ”التحويل“، والثاني ’التطهير‘.

الأول ادعى ”جلب الحضارة“، والثاني ”القضاء على السكان الأصليين“.

هذا الاختلاف حول فلسطين إلى أكثر مختبر استعماري صارخ ووحشي في التاريخ الحديث.

الآن لم يعد هناك مهمة ولا ادعاء بالحضارة – فقط سياسة الإبادة والطرد.

هذه الجريمة المرتكبة باسم الله لم يعد من الممكن التستر عليها بروعة الدين أو الحضارة.

لأن المشروع الإسرائيلي لم يعد ”إرادة الله“، بل إعلان حرب على ضمير الإنسانية.

 

Bekir Gündoğdu

بكر غوندوغدو
باحث - كاتب. عمل على مستويات مختلفة في السياسة والمجتمع المدني والإعلام. يواصل العمل حاليًا كمحرر في مجال الإعلام الجديد وناشر على الإنترنت.
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.