نقل داعش إلى إفريقيا

داعش، الذي تم تفعيله في العراق وسوريا، نقل استراتيجياته التنظيمية والاتصالية والخطابية إلى إفريقيا. وفي وقت قصير، تمكن من اكتساب أرضية وبدأ في العمل في دول مثل الصومال، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، وليبيا، والصحراء الكبرى، وغرب إفريقيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر.
17/03/2025
image_print

كان هناك اعتقاد قوي بأن تنظيم داعش، الذي ظهر في العراق ووجد موطئ قدم له في سوريا، سينتقل إلى إفريقيا بعد أن يكمل “مهمته” في الشرق الأوسط. الأخبار القادمة من إفريقيا منذ فترة طويلة تؤكد أن هذا الأمر قد تحقق. كل يوم، تظهر أخبار عن التنظيم في دولة إفريقية مختلفة. في الواقع، هذا الوضع هو مؤشر ملموس على كيفية عمل التنظيمات التي تم اختبارها كمشاريع. الصيغة بسيطة جدًا: توجيه إنشاء التنظيم، ثم تحميله بمهمة، وعند اكتمال تلك المهمة، يتم إنشاء تنظيمات فرعية وتوزيعها في مناطق أخرى. هذا بالضبط ما يحدث الآن.

تنظيم عالمي

من الممكن الحديث عن العديد من التنظيمات الإرهابية المختلفة حول العالم. ولكن من حيث تنوع الأهداف والمقاتلين، فإن القاعدة وداعش هما التنظيمان اللذان يتمتعان بصفة عالمية. لأن أهداف هذين التنظيمين واسعة جدًا، ومصادر القوى البشرية لا تعتمد على عرقية واحدة؛ فهما يضمان تنوعًا عرقيًا. ومن المعروف أن داعش هو فرع من القاعدة. ولكن لا توجد معلومات دقيقة عن مستوى العلاقة بينهما. وخلال غزو أفغانستان والحرب الأهلية، ظهرت العديد من التنظيمات المرتبطة بالقاعدة. داعش هو الأكثر انتشارًا بين هذه التنظيمات.

ظهر داعش في عام 2003 خلال غزو العراق، وهو نتاج تجمع بين تنظيم القاعدة في العراق وعناصر من نظام البعث. من هذا المنظور، يمكن القول إن داعش هو إلى حد كبير امتداد للقاعدة. القاعدة تعتبر تنظيما عالميا من حيث المشاركة من دول مختلفة وأيضًا من حيث الأهداف. ولكن هناك خاصيتان رئيسيتان تميزان داعش عن القاعدة. الأولى هي أن لديه مشاركة عالمية تفوق القاعدة. في السنوات الأولى لظهوره في العراق وسوريا، انضم إلى التنظيم أفراد من 110 دولة مختلفة. الاختلاف الثاني هو تعريف العدو ونهج تحديد الأهداف. كلا التنظيمين يعتبران الغربيين والمسلمين الذين لا يتبنون أيديولوجيتهم أهدافًا لهما. ولكن النقطة التي تفرق بين التنظيمين هي السلوك تجاه الأهداف. داعش يرى أن أي شخص لا يتبنى أيديولوجيته يجب قتله. بينما يعتبر تنظيم القاعدة المسلمين الذين لا يحاربونه “مرتدين”، ولكنه يرى أن قتل هؤلاء الأشخاص هو “تطرف وإهدار للموارد”.

ولفهم موضوع تحديد الأهداف بشكل أوضح، فإن تركيا تعد أفضل مثال على ذلك. يعتبر داعش تركيا وحكامها وشعبها مرتدين لأنهم لا يتبنون أيديولوجيته ويدعو إلى قتلهم. ربما لهذا السبب، نفذ التنظيم، خلال فترة قوته، هجمات إرهابية ممنهجة داخل تركيا. تم تنفيذ هجمات إرهابية تستهدف جميع خطوط الصدع في البلاد. أما القاعدة والتنظيمات التابعة لها، فإنهم يعرفون تركيا كهدف بشكل رئيسي بسبب علاقاتها مع الغرب، وخاصة علاقتها مع حلف الناتو.

وجود داعش في إفريقيا

من الممكن تصنيف التنظيمات الإرهابية الناشطة في إفريقيا تحت عنوانين رئيسيين: التنظيمات التقليدية والتنظيمات الجديدة. تشمل التنظيمات التقليدية بوكو حرام، والشباب، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وفروعها. هذه التنظيمات تقوم بأنشطة لزعزعة استقرار دول مختلفة منذ سنوات عديدة. بينما يستهدف تنظيم الشباب الهيكل الحكومي في الصومال، يركز بوكو حرام على شمال شرق نيجيريا، وشمال الكاميرون، وتشاد، والنيجر، ومالي. أما القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فيركّز على منطقة شمال غرب إفريقيا.

لكن المشكلة الجديدة للدول الإفريقية هي انتشار داعش والتنظيمات المشتقة منه بسرعة كبيرة. داعش، الذي تم تفعيله في العراق وسوريا، نقل استراتيجياته التنظيمية والاتصالية والخطابية إلى إفريقيا. وفي وقت قصير، تمكن من اكتساب أرضية وبدأ في العمل في دول مثل الصومال، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، وليبيا، والصحراء الكبرى، وغرب إفريقيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر.

يعمل داعش في إفريقيا من خلال ولايات إقليمية بدلاً من هيكل مركزي. هذا الهيكل يسمح للتنظيم بالتحرك بمرونة وتطوير تعاون مع التنظيمات المحلية. تحت هذا العنوان، أول منطقة يجب التركيز عليها هي ولاية غرب إفريقيا – منطقة الساحل ونيجيريا. تشمل هذه المنطقة نيجيريا، والنيجر، وتشاد، والكاميرون. المنطقة الثانية هي ولاية الصحراء الكبرى – منطقة الساحل. وتشمل هذه المنطقة مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو. المنطقة الثالثة هي ولاية وسط إفريقيا – موزمبيق ومنطقة الكونغو. وتشمل هذه المنطقة موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية. المنطقة الرابعة هي ولاية سيناء (مصر). المنطقة الخامسة هي ولاية الصومال (داعش الصومال)، حيث يتم تنفيذ الأنشطة في منطقة بونتلاند بالصومال.

أكثر البيانات وضوحًا حول زيادة الهجمات الإرهابية في إفريقيا تأتي من مؤشر الإرهاب العالمي. وفقًا لأحدث البيانات، فإن 51٪ من الـ 7,555 شخصًا الذين قُتلوا في الهجمات الإرهابية حول العالم في عام 2024، أي 3,885 شخصًا، قُتلوا في منطقة الساحل. هذه المنطقة تشمل ولايتين مهمتين لداعش في إفريقيا: ولاية غرب إفريقيا – منطقة الساحل ونيجيريا، وولاية الصحراء الكبرى – منطقة الساحل.

في هذا السياق، يجب أيضًا الإشارة إلى الحرب الأهلية المستمرة في السودان. لأن الظروف في السودان توفر أرضية “مناسبة” لوجود داعش والتنظيمات المشتقة منها وتمكينها. لا يوجد سيطرة حكومية، والمؤسسات منهارة، ولا يوجد نهج سياسي لإنهاء الحرب. هناك تقييمات مكثفة تشير إلى أن بعض الجماعات المشاركة في الحرب لديها القدرة على التحول إلى تنظيمات شبيهة بداعش. الدليل الملموس على ذلك كان في 23 يناير، عندما نشرت صحيفة النبأ، الجهاز الإعلامي لداعش، افتتاحية تدعو التنظيم للانضمام إلى الجهاد في السودان. في الواقع، في حالة السودان، من المفيد تقييم مشاركة داعش وفروعه في الحرب جنبًا إلى جنب مع محاولات إيران وروسيا لإقامة قواعد على سواحل السودان، كما حدث في حالة سوريا.

العوامل التي يتغذى عليها داعش

يجب تقييم اكتساب داعش للقوة في إفريقيا على أنه نتيجة لاستراتيجية التنظيم العالمية وانعكاس للظروف المحلية في إفريقيا. بعد مقتل أبو بكر البغدادي في عام 2019، تحول التنظيم من هيكل مركزي في سوريا والعراق إلى نموذج لا مركزي (decentralized). في هذا النموذج، أصبحت الفروع الإقليمية والجماعات التابعة أكثر بروزًا. وأصبحت إفريقيا، في هذا السياق، المنطقة الأسرع نموًا والأكثر نشاطًا.

عند النظر إلى الكيانات في إفريقيا، لا يمكن اختزال العوامل التي توفر المجال للتنظيم إلى عامل واحد فقط. عند تحليل بنية التنظيم وخطابه، يمكن تصنيف العوامل/المصادر الأساسية للتحفيز على النحو التالي:

أولاً، الدافع الأيديولوجي. الإطار الأيديولوجي الأساسي للتنظيم هو السلفية. والهدف الرئيسي هو إقامة نظام قائم على الشريعة و”هدم” الأنظمة العلمانية المدعومة من الغرب. هذه “الأحلام الكبيرة” يمكن أن تجد صدى لدى الأجيال الشابة التي لا تملك أي أمل في المستقبل بسبب الحرمان.

ثانيًا، العوامل الاجتماعية والسياسية. يمكن التعبير عن هذه العوامل من خلال البنى الضعيفة للدول، والفساد، والبطالة، والفقر، وعدم المساواة في توزيع الدخل، وسوء الإدارة. هذه العوامل تؤثر مباشرة على مصادر القوى البشرية للتنظيم الإرهابي.

ثالثًا، الانقسامات العرقية والدينية. في العديد من مناطق إفريقيا، تكون الانقسامات العرقية والدينية حادة جدًا. وهذا يدفع المجتمع إلى البحث عن حلول مختلفة. على سبيل المثال، في منطقة الساحل، هناك تفاوت اقتصادي واجتماعي كبير بين الشمال الذي يتركز فيه السكان المسلمون والمناطق الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية. يمكن أن تتحول هذه القضية إلى أداة تستفيد منها التنظيمات الإرهابية، بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراءها.

رابعًا، الروابط التي أقامتها التنظيمات العالمية مع الكيانات المحلية الناشطة في إفريقيا. التنظيمان الأكثر نشاطًا في هذا المجال هما القاعدة وداعش. وهذا يوفر الشرعية والدعم اللوجستي للتنظيمات.

خامسًا، الدمار الذي خلفه المستعمرون واستغلال الموارد بأشكال مختلفة. وهذا يتحول إلى معاداة للغرب وإلى حجة قوية تستخدمها التنظيمات في خطابها.

سادسًا، فشل الدول التي تأسست بعد الاستعمار في بناء نظام سليم، وعدم قدرتها على الاندماج في النظام العالمي، وما نتج عن ذلك من بنى ضعيفة للدول. هذه البنى الضعيفة تسهل على التنظيمات مثل داعش، الذي يستفيد من الموارد البشرية العالمية، عملية التنظيم والوصول إلى الموارد المطلوبة.

أخيرًا، الصدمات ما بعد الاستعمار لدى الدول. يمكن ذكر الأزمات التي تسببها هذه الصدمات، مثل أزمة الهوية، وعدم الاستقرار السياسي، والقصور الاقتصادي، والتبعية الاقتصادية، والذاكرة الصدمية، والمشكلات الناتجة عن المواقف “المهينة” تجاه السكان المحليين.

مستقبل داعش في إفريقيا

من الواضح أن إفريقيا بدأت تصبح المركز الجديد لداعش. وأهم أسباب ذلك هي قدرته على التجمع والتنظيم بسهولة في المناطق التي تكون فيها سلطة الدولة ضعيفة، ونموه السريع من خلال عقد تحالفات مع الجماعات المحلية، وامتلاكه أرضية تمكنه من الحفاظ على وجوده المالي. ومع ذلك، كلما تعززت الدول الإفريقية والتعاون الإقليمي، يمكن أن يضيق نطاق حركة داعش. على سبيل المثال، في موزمبيق، بدأ التنظيم في التراجع بدعم من رواندا وجنوب إفريقيا. ولكن في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد، لا يزال داعش يشكل تهديدًا كبيرًا.

في السنوات القادمة، سيعتمد وجود وقوة داعش في إفريقيا إلى حد كبير على فعالية الدول والتعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب. إذا فشلت الدول والحكومات المستهدفة والتعاون الإقليمي والاتحاد الإفريقي في تحقيق حوكمة جيدة، يمكن أن يزداد التنظيم قوة. وبالتالي، فإن هذين العاملين سيكونان المؤشرين الرئيسيين لاستدامة داعش في إفريقيا.

في هذا السياق، يبرز سيناريوهان مستقبليان. الأول، إذا تحركت الدول معًا، وتدخل الاتحاد الإفريقي في القضية، وأقيم تعاون إقليمي لمكافحة الإرهاب، وتم تجاوز نقص التمويل والتنسيق، يمكن أن يضيق نطاق حركة داعش ويتم السيطرة على وجود التنظيم. الثاني هو مواقف الدول والحكام. إذا فشلت السلطات الحكومية في تقديم الخدمات للشعب، وإيجاد حلول للمشاكل الأساسية للناس، وضمان عدالة توزيع الدخل، يمكن أن يزداد الدعم الشعبي لداعش ويصبح التنظيم أقوى. هذا الاحتمال لا يشكل تهديدًا كبيرًا لإفريقيا فقط، بل للأمن العالمي أيضًا.

ما الذي يمكن فعله؟

في الواقع، الإجراءات المطلوبة واضحة جدًا. أولاً، يجب القضاء على الأسباب التي تغذي التنظيمات الإرهابية، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب، وتطوير استراتيجيات مشتركة لمكافحته، وإجراء الدراسات اللازمة لمعالجة الصدمات ما بعد الاستعمار، وإعادة تنظيم البنى الضعيفة للدول و/أو بناء دول قوية. مثل هذه الإجراءات يمكن أن تولد نتائج إيجابية للغاية. التعاون الإقليمي الذي تم إنشاؤه في سياق مكافحة الإرهاب (مثل قوة الساحل جي 5، وبعثة سادك في موزمبيق، وأميصوم في الصومال) لا يولد نتائج فعالة بسبب نقص الموارد، وصعوبة استمرار تكتيكات المكافحة الناجحة، ونقص البنية التحتية، وضعف التواصل مع السكان المحليين. الولايات المتحدة تفكر في نقل تحالف مكافحة داعش إلى إفريقيا بدلاً من تفكيكه، ولكن لم يتم اتخاذ أي خطوة حتى الآن.

انتشار داعش في إفريقيا مرتبط مباشرة بمشاكل بنيوية مثل البنى الضعيفة للدول، والأزمات الاقتصادية، والصدمات ما بعد الاستعمار. التنظيم يوفر الدعم اللوجستي ويوسع شبكات الدعاية من خلال التعاون مع الجماعات المحلية. من بين المقترحات السياسية الأساسية التي يمكن التركيز عليها: زيادة مشاريع المساعدات الإنسانية التي تكسب دعم السكان المحليين، ودعم التعاون الإقليمي بنماذج تمويل طويلة الأجل، وتطوير حلول تركز على التنمية بالتنسيق مع الكفاح المسلح، ودعم المجتمع المدني ببرامج مضادة للتطرف.

في هذا السياق، يجب ألا ننسى المشاكل التي تسببها ديناميكيات الاستعمار الجديد التي تقودها الدول الغربية، كما حدث في أفغانستان والعراق وسوريا. يجب على هذه الدول التخلي عن نهج “الاستعمار الجديد” الذي يحاول الاستغلال من خلال الموارد المعدنية الثمينة. لأن صدمة الاستعمار ما زالت مستمرة لدى شعوب إفريقيا، وهذا النهج يوفر “أدوات” للتنظيمات الإرهابية، ويتسبب في استمرار فقر الأفارقة. والوضع الناتج يشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن العالمي. الخطوة الأولى للخروج من هذا الوضع هي رؤية هذا الواقع الذي تحدثنا عنه.

Adnan Boynukara

عدنان بوينو قره
عمل كمهندس وإداري في مؤسسات مختلفة بين عامي 1987 و 2009. وشغل منصب مستشار رفيع في وزارة العدل بين عامي 2009 و 2015. وكان عضواً في البرلمان التركي في الدورتين 25 و 26 كنائب عن ولاية أديامان. ويقوم حاليا بأبحاث في مجالات إدارة الشؤون العامة، والأمن، ومكافحة الإرهاب، وحل النزاعات، وعمليات السلام.
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.