– بكر غوندوغدو:
ضيفنا اليوم هو الصحفي والكاتب مصطفى إكيجي، المنسق السابق لقناة “TRT – كردي”، ومؤلف كتابي “التشبه بك” و”الأكراد عند مفترق الحقائق والأحلام”. يواصل مصطفى إكيجي أبحاثه الأكاديمية بينما تنشر مقالاته في مجلة “كريتيك باقيش”. أهلاً وسهلاً بك سيد مصطفى إكيجي.
– مصطفى إكيجي:
أهلاً بكم، شكرًا.
– ب.غ: كيف تقيمون العملية التي بدأت بتصريح رئيس حزب الحركة القومية السيد دولت بهجلي، وتتضمن مطالبة تنظيم “بي كي كي” (حزب العمال الكردستاني الإرهابي)، بإلقاء السلاح؟ وما هو معنى وأهمية أن يصدر هذا التصريح من حزب الحركة القومية؟
– م.إ: كما تعلمون، تركيا تعاني من آفة الإرهاب منذ أكثر من 40 عاماً. في التسعينيات، كانت هناك مشاهد يمكن وصفها بأنها حرب أهلية. لكن في السنوات الأخيرة، وبفضل الإجراءات التي اتخذتها تركيا، سواء العسكرية أو الاجتماعية والاقتصادية، خسر “بي كي كي” الكثير من قوته، خاصة في تركيا. بل إن بعض المسؤولين ذكروا أن عدد الإرهابيين في تركيا انخفض إلى أقل من 50 أو حتى 20. لذلك، فإن وبالتالي فإن العالم الغامض، والقضية الغامضة والضبابية التي تصفها بعض الدوائر بالمسألة الكردية، قد استقرت الآن على أساس اجتماعي وسياسي. ومع ذلك، لا يزال “بي كي كي” موجودا بصفة كيان إرهابي، خاصة في سوريا والعراق، وحتى في تركيا، وإن كانت قدراتها قد تراجعت. هذا ما يجعل من الصعب مناقشة القضية بحرية في الساحة السياسية أو في الشارع. لا شك أن تصريح السيد بهجلي الذي طالب فيه “بي كي كي” بإلقاء السلاح والمجيء إلى البرلمان، يحمل بالفعل قيمة كبيرة جداً باعتباره زعيم حزب محوري يمثل القومية التركية وشخصية أسطورية ورمزية إلى حد ما في هذا المجال.
– ب.غ: لقد تحمل مخاطرة كبيرة بذلك
– م.إ: بالتأكيد، إنه تحمل مخاطرة كبيرة. في الواقع، يمكن قراءة التصريح باعتباره نسخة جديدة وأكثر واقعية وثباتا لخطاب السياسة في السهول لمحمد آغار، الذي شغل منصبي وزير الداخلية والمدير العام للأمن، في منتصف التسعينيات. أهمية أن يصدر هذا التصريح من السيد بهجلي تكمن في التالي: خلال عملية مكافحة الإرهاب المستمرة منذ 40 عامًا، تم تنفيذ العديد من الأنشطة في المناطق التي يقطنها الأكراد، بعضها جنائي وغير نظامي، والبعض الآخر يندرج تحت فئة الجرائم. وقد نُسب الجزء الأكبر من هذه الأنشطة إلى القوميين أو الجماعات القومية (التركية)، سواء كانت تُنفذ باسمهم أو كانت ضمن صفوفهم أم لا، وهذا موضوع نقاش منفصل. لكن الإدراك العام في المجتمع هو أن المحور الأيديولوجي الذي يمثله السيد بهجلي قد تم وضعه تاريخيًا كطرف في هذه الحرب أو الصراع. لذلك، فإن تصريح السيد بهجلي، بصفته ممثلًا وطرفًا في هذا الأمر، يعطي الشرعية ويجعله ذا معنى.
إنه تصريح قيم حقًا، وكان مذهلًا ومفاجئًا. لقد شاهدت اجتماع الكتلة البرلمانية للحزب مباشرة. عندما تم صدرت تصريحات بهجلي في اجتماع كتلة حزب الحركة القومية (MHP)، كانت هناك في البداية حالة من الدهشة بين الحضور. لم يبدأ التصفيق على الفور، بل كان هناك تساؤل عما نسمعه وما يحدث، وكان هناك حقًا ارتباك واضح داخل كتلة حزب الحركة القومية. ولكن كما يبدو، فإن صفة السيد بهجلي كرجل حكيم، وشخصيته كرجل دولة، وثقله كزعيم قومي تركي، قد قللت من ردود الفعل المحتملة في هذه المرحلة.
بالفعل، يبدو أن قاعدته الخاصة قد اقتنعت بهذا الأمر. قاعدة القومية التركية، بناءً على الأسباب التي ذكرتها أعلاه، تفكر على الأرجح بالطريقة التالية؛ إذا كان دولت بهجلي قد أدلى بهذا التصريح، فلا بد أن هناك أسبابًا قوية وراءه، وهو يعلم ما يفعل.
بالتأكيد، هناك ثقة كبيرة من قاعدته تجاه دولت بهجلي تكمن وراء هذا الموقف. أي أن الصورة التي خلقها السيد بهجلي في المجتمع عمومًا وفي قاعدته على وجه الخصوص، كرجل حكيم ورجل دولة، ليست صورة أسطورية ورمزية فحسب، بل إنها تستند أيضًا إلى واقع ملموس.
بهذا المعنى، فإن وصول بهجلي إلى هذه المرحلة هو أمر قيم للغاية. مسألة ما سيؤول إليه الأمر مهمة كذلك. فهناك تصور أسطوري مشابه موجود لدى القاعدة القومية الكردية تجاه لأوجلان في الواقع.
هناك عددٌ ملحوظ من الأشخاص يتأثرون أيضًا بتلك الصورة الأسطورية لأوجلان. سنرى ما إذا كان أوجلان سيرفع السقف إلى المستوى الذي وضعه السيد بهجلي، أو ربما أعلى منه. أنا أعتقد أنه سيرفعه.
لأن المسألة في الواقع ليست مجرد إلقاء “بي كي كي” للسلاح من الناحية الفنية. ففي الأساس، قدرة التنظيم على القيام بعمليات داخل تركيا محدودة جدًا ولا تُذكر.
ولكن المسألة الأساسية هنا هي أن تأثير “بي كي كي”، كتنظيم إرهابي، لا يزال قائمًا على السياسة، ولا يزال قادرًا على التأثير في المجتمع بمستوى ملحوظ. وهذه قضية اجتماعية وسياسية في آن واحد.
لذلك، فإن التصريح الذي سيصدره أوجلان، ودرجة ذلك التصريح ومحتواه، وبالطبع دعوته إلى إلقاء “بي كي كي” للسلاح، ستكون أمورًا مهمة. ولكن في رأيي، فإن الجزء الأهم هو أن تأثير أوجلان على قاعدته الجماهيرية قد يكون مشابهًا لتأثير السيد بهجلي على قاعدته. إذا كانت النتيجة إيجابية، أعتقد أن ذلك سيكون بمثابة وسيلة لأمور جيدة. كما أعتقد أن النتيجة النهائية لكلا التصريحين ستكون إيجابية وتؤدي إلى مكانة جيدة.
– يبدو أن الأجواء الإيجابية التي تشكلت بعد لقاء بهجلي مع أعضاء حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (ديم) سوف تتعزز مع الخطاب الذي سيلقيه عبد الله أوجلان، ولكن هناك جو من الحذر في الرأي العام. من ناحية، هناك تجارب سابقة لم تنجح، ومن ناحية أخرى، هناك اعتقاد بأن التنظيم لن يلقي السلاح، مما يؤثر على هذه الأجواء الإيجابية. ما هي توقعاتك؟ كيف سيتطور هذا الوضع؟
نعم، أوافق على أن هناك الكثير من المخاطر. الموقف الحذر في المجتمع له مبرراته. لأنه كما تعلمون، في العملية السابقة، تم رفع سقف التوقعات بشكل كبير جداً، وتم اتخاذ خطوات شجاعة جداً من قبل الدولة والمؤسسات المختصة، ولكن في النهاية، تحويل التنظيم لهذا الأمر إلى عرض، وتفسيره بشكل أثار توقعات مختلفة، أدى للأسف إلى إفشال العملية. ولكن هذه المرة هناك وضع مختلف؛ أولاً، قدرة تنظيم “بي كي كي” على القيام بأعمال عنف في تركيا هي في أدنى مستوياتها على الإطلاق. ثانياً، المجال السياسي أقوى وأكثر رسوخاً، وهناك نهج أكثر تماسكاً وتجانساً في أجهزة الدولة. هذا أمر بالغ الأهمية. ولكن الأهم من ذلك، وجود شخصية مثل السيد بهجلي، وهو رجل دولة ذو شخصية قوية، قد دخل إلى الميدان وتبنى القضية ويتزعمها، وهذا يغير ويحول بشكل حقيقي طبيعة التطورات. لذلك، نعم، ستظهر بعض الأصوات المتصدعة داخل تنظيم “بي كي كي”. مثل هذا التطور ليس مفاجئاً في رأيي. لأن ما نسميه “بي كي كي” أصبح الآن عبارة عن شركة ذات رعاة كثر. إنها شركة إرهاب.
في التحليل النهائي؛ الأساس الشرعي الأيديولوجي هو القومية الكردية، ولكننا جميعًا نعلم أن هناك عوامل أخرى مثل الغربيين، وأمريكا، ونظام الأسد في سوريا الذي انهار مؤخرا، والعامل الإيراني، وغيرهم. هذا كيان تلعب فيه العديد من الجهات الفاعلة المختلفة دورًا مؤثرًا. لذلك، فإن مجال تنظيم “بي كي كي” هو مجال تتصارع وتتداخل فيه العديد من الحسابات المتناقضة. ولهذا السبب، قد لا يصدر صوت موحد من التنظيم أو قد تظهر أصوات متضاربة. بالإضافة إلى ذلك، فإن عبد الله أوجلان، الذي لا تربطه اتصالات مباشرة مع التنظيم منذ 20 عامًا، أصبح تأثيره على التنظيم تأثيرًا رمزيا إلى حد كبير. لذلك، سنرى إلى أي مدى ستؤثر تصريحات أوجلان بشكل مباشر على الكوادر العسكرية، أي الجناح العسكري للتنظيم. هذا موضوع نقاش منفصل. إنه موضوع تقني. في رأيي، إنه ليس موضوعًا بالغ الأهمية في الواقع. الجوانب الاجتماعية والسياسية والنفسية للموضوع هي الأكثر أهمية.
– هل تعتقد أن التنظيم ربما لا يستجيب لطلب الشخص الذي أسسه ولا يزال يتزعمه حتى اليوم بشأن إلقاء السلاح؟
– أعني أنه قد لا يكون هناك تأثير موحد، هذا ما أقصده. والسبب هو التالي: في عام 2019، كان هناك تصريح لأوجلان، ولكن التنظيم، وخاصة حزب ديم، قام بتجاهل هذا التصريح. ومنذ ذلك الحين، أوجلان لم يلتقِ بالحزب أو التنظيم. على الرغم من أن التنظيم يحافظ باستمرار على حجة الدعاية الخاصة بالعزلة في عالمه الداخلي، إلا أنه من الواضح أن الحزب أو التنظيم لم يقل ‘هيا بنا نذهب ونتحدث’، وأوجلان أيضًا لم يقل لهم ‘تفضلوا تعالوا’. بصراحة، لم تكن هناك مثل هذه العلاقة منذ وقت طويل. أوجلان قطع هذا الاتصال منذ فترة طويلة. لأنه رأى كيف تم تجاهله وتقليل قيمته. لكنني أعتقد أن أوجلان لديه تأثير رمزي وأسطوري على جمهوره في تركيا، وبشكل أكبر في سوريا، بما في ذلك الكوادر العسكرية، ولكن بشكل أساسي على المجتمع. لذلك، فإن مسألة إلقاء التنظيم للسلاح مهمة بالطبع. إلا أننا بحاجة إلى أن نرى عمليًا إلى أي مدى سيؤثر ذلك. لأن تصريحات جميل باييك وقادة التنظيم منذ البداية حول موقف أوجلان كانت تقول: ‘نحن المعنيين بالعملية، وظروف السجن التي يعيش فيها أوجلان ليست مناسبة كثيرا لذلك’. هذه التصريحات تعطي إشارة حول التأثير المحتمل لأي تصريح قد يصدره أوجلان على التنظيم أو داخله في رأيي. ولكن كما قلت، لا يوجد جناح واحد داخل “بي كي كي”، بل هناك العديد من الأجنحة، وفرضية أن هذه الأجنحة ستتحرك بشكل موحد ستُختبر من خلال تصريحات أوجلان.
– قد يكون هناك اختلاف في الرأي بين قيادة التنظيم وقاعدته رغم تصريحات أوجلان. هل تعتقد أن قيادة التنظيم ستقاوم؟
– نعم، قد يكون هناك من يقاوم.
– هل هذا الأمر مرتبط بعلاقة مصلحة؟
– بلا شك. دعونا لا ننسى أن الجيل الأول من كوادر التنظيم هم الآن في السبعينيات من العمر. من دوران كالكان إلى جميل باييك، ومن مراد كارايلان إلى الآخرين. هؤلاء تجاوزوا السبعين عامًا. بالإضافة إلى ذلك، هم يعيشون في عالم السبعينيات. لأنهم منذ السبعينيات لم يكن لديهم اتصال بالحياة الواقعية، فهم معزولون في الجبال وفي بيئة عسكرية بحتة. ولكن في نفس الوقت، يعيشون داخل شبكة علاقات تم تطويرها خلال هذه العملية. تشمل هذه الشبكة الاقتصاد والسياسة وأسلوب حياة مختلف. للتنظيم هالة خاصة به، ولغة خاصة به، وكذلك عالم خاص به. ومن الصعب التخلي عن الراحة التي يوفرها هذا العالم. لأن السياسة، في النهاية، هي مواجهة الواقع. لقد اختبرنا جميعًا هذا مرارًا وتكرارًا. على سبيل المثال، تطبيق الأوصياء في تركيا يشرح الكثير عن هذا. ربما كنت أول من أشار إلى ذلك: يتم التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي، فيوز بالبلديات، ولكن يتم لاحقا تعيين أوصياء عليها. ومع ذلك، لا يوجد رد فعل ملحوظ في المجتمع تجاه هذه التعيينات. في مقال كتبته آنذاك، صغت موقف الشعب تجاه هذا الأمر على النحو التالي: ليفز حزب الشعوب الديمقراطي ولكن ليتم تعيين الأوصياء. السبب هو أن عمل حزب الشعوب الديمقراطي، أي حزب ديم في يومنا، أو “بي كي كي”، كبير جدًا ومفرط للغاية. أي أن مواقفهم ونهجهم وحججهم وسياساتهم مفرطة للغاية. وبالتالي، التعامل مع مشاكل الناس اليومية، مثل القمامة والمياه والإسفلت والطرق، يعتبر ذلا بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في هذا العالم.
– أي أن هناك نهج من قبيل: هل سنتعامل مع قمامتكم بينما نحن نحاول بناء دولة؟
– نعم، ولكن هناك أيضًا واقع الشعب. الحياة مستمرة، والقمامة يجب أن تُجمع، والناس يريدون الحصول على خدمات بمعايير جيدة. يريدون الحصول على خدمات بلدية. في هذا الصدد، سياسة الأوصياء لم تخلق رد فعل بالحجم الذي توقعه حزب حزب الشعوب الديمقراطي أو “بي كي كي” في الشارع الكردي. وكان هذا هو السبب في ذلك. أي ليفز حزب الشعوب الديمقراطي ولكن ليتم تعيين الأوصياء. هذا هو الطريق الذي وجده الشعب في مواجهة النظرة الاستيعابية والإنكارية للدولة، وكذلك في مواجهة الموقف المفرط لـ”بي كي كي”. ومن المحتمل أن يحدث شيء مشابه اليوم. لينسحب “بي كي كي” تمامًا من الساحة، ويلقي السلاح، ويحل نفسه، حسنًا. لكن تطلعات الأكراد، كطلب سياسي، باحترام الهوية الكردية والوجود الكردي، وتسجيل ذلك على أرضية قانونية، سوف تستمر. في الواقع، دعوني أوضح ذلك أيضًا. أعتقد أن كل من حزب العدالة والتنمية، والأحزاب اليمينية واليسارية بشكل عام، والرأي العام التركي، و”بي كي كي”، كلهم يفسرون بشكل خاطئ الأصوات التي تعطى لحزب ديم. على سبيل المثال، “بي كي كي” يفسر الأصوات التي يعطيها الأكراد بنسبة 70-80 في المئة لحزب ديم أو حزب الشعوب الديمقراطي، على أنها دعم لصراعه المسلح وأنشطته الإرهابية، ويستخدمها بهذه الطريقة. وبالمثل، الرأي العام التركي، بجناحيه اليميني واليساري، يفسر هذه النسبة العالية من الأصوات التي يعطيها الأكراد لحزب الشعوب الديمقراطي أو حزب ديم على أنها دعم لإرهاب “بي كي كي”. في حين أن هذا الأمر خاطئ جدًا.
– نفس النسبة من الأصوات حصل عليها حزب العدالة والتنمية سابقا في تلك الولايات.
– نعم، هذا ما أقصده. أي أنه لا يوجد شارع كردي موحد. بالإضافة إلى ذلك، هناك معنى لهذه الأصوات. والمعنى هو التالي: نحن نتوقع احترامًا للهوية الكردية والوجود الكردي، وننتظر تسجيل ذلك على أرضية قانونية. في الواقع، التصويت لحزب معترف به رسميًا من قبل الدولة، ومُمثل في البرلمان، يعني أن نقول: “أنا كردي وأنا موجود”. ليس له أي معنى آخر. من ثم تعالوا وعيّنوا الأوصياء للبلديات ليقدموا الخدمات. وهذا ما يحدث بالفعل. كما تعلمون، مرشح حزب ديم يفوز بنسبة 70 في المئة من الأصوات، ولكن بعد ثلاثة أيام يتم استبداله بوصي، ولا تشتعل الشوارع بسبب ذلك. بينما لو تذكرنا أحداث التسعينيات ورد فعل المجتمع آنذاك، فقد كانت الشوارع تشتعل، وكان الناس والجماهير في حالة حراك. أما الآن، فنحن نواجه الواقع. ما هو الواقع؟ الخبز، والشوارع، والكهرباء، والمياه، والطرق، والوظائف. هذه هي الحقائق التي يجب أن نوفرها. والآن، كل من الحكومة والدولة تقومان ببناء تواصل أكثر صحة مع المجتمع في هذا الصدد. لذلك، أعتقد أن تصريحات السيد بهجلي، وآمل أن تكون تصريحات زعيم التنظيم الإرهابي أوجلان أيضًا على هذا المستوى، ستساهم في خلق أرضية يمكن من خلالها مناقشة هذه القضية على مستوى المجتمع بشكل أكثر سياسية، وأكثر اجتماعية، وأكثر سلمية.
– أي أنك تقول إنه إذا خرج “بي كي كي” من المعادلة وسكتت الأسلحة، وتشكلت أرضية معقولة للحوار والنقاش، فإن هذه المشكلة يمكن حلها، أليس كذلك؟ يعني إذا ألقى “بي كي كي” السلاح…
– إننا نسميها مشكلة، ولكنها عبارة عن مجال غامض جدًا، وغير واضح. لأن فهمنا لما نعنيه بـ “المشكلة الكردية” ينتشر عبر طيف واسع من الآراء، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن أكثر المتعصبين إلى أكثر الليبراليين. إنها تمثل مجالا غير محدد يمكن تفسيره بطرق مختلفة. لذلك، عندما أقول دعونا ننظر إلى الأمر بشكل أكثر اجتماعية، فإنني أقصد ذلك. أي إذا بقيت هذه القضية في أيدي المتعصبين، أو في أيدي الإرهابيين والمفرطين، فإن مهمتنا ستكون صعبة. يجب أن تُنتزع هذه الحجج من أيديهم. علينا جميعًا أن نواجه حقائق المجتمع. في عام 2019، أطلقت على كتابي الذي يتناول هذا الموضوع اسم “الأكراد عند مفترق الحقائق والأحلام”. للأكراد حقائق وكذلك أحلام. علاوة على ذلك، هذه الحقائق والأحلام ليست موحدة، بل هناك أحلام وحقائق تختلف حسب الطبقة الاجتماعية، والمنطقة، والأيديولوجيا، والوضع الاجتماعي والاقتصادي، إلخ. هناك الآن جمهور يعيش في حالة نفسية غريبة، وكأن الدولة ستنشئ كردستان وستقدمها لهم كهدية. هذا نهج ساذج جدًا، وطفولي، ومراهق. أو أن الأكراد مثلا سينشئون دولة، وسيقيمون كردستان، ويعتقدون أن تركيا تعيق ذلك. هذه نهج طفولي وساذج. أولاً، هناك جهل كبير في الخلفية الذهنية لهؤلاء حول مفهوم الدولة وطبيعتها. هذا أيضًا يعكس عدم فهم لطبيعة الدول وهيكلها. في أحداث الأنفاق والخنادق، رأى الأكراد أنهم يُجرون إلى نفق مظلم لا يُعرف أين سيؤدي. وحينها خسر التنظيم الكثير. لم يجدوا حتى الدعم أو رد الفعل الذي كانوا يتوقعونه من قاعدتهم. لأن المجتمع يعيش مع الواقع، في حين أن التنظيم يعيش في عالم من الأحلام المفرطة.
– يعني أن الشعب رأى ما كان التنظيم يحاول فعله وأفسد اللعبة.
– نعم، هذا ما أحاول قوله. نقاش مشابه سيحدث اليوم أيضا. لذلك، فإن مسألة كيف تتطور القضية الكردية وكيف تُحل هي مجال غامض جدًا ومثير للجدل. وبالتالي، يجب نقل هذه القضية إلى السياسة، وخلق بيئة يمكن للسياسيين الحقيقيين مناقشتها دون خوف أو تردد. هناك بوضوح نظام وصاية فوق الموضوع. كما كان الحال في الماضي عندما كانت السياسة التركية تحت ضغط الهيمنة الأوليغارشية والعسكرية ولا تستطيع التحدث بحرية، اليوم هناك أيضًا وصاية خانقة مماثلة في السياسة الكردية. فهم لا يتحدثون ولا يستطيعون التحدث دون تلقي تعليمات من قنديل. لأنهم لا يملكون أفكارًا خاصة بهم، ولا يملكون حججًا سياسية. إنه مجال غامض، وهناك ثقافة طاعة هناك. ولكن عندما يتم سحب السلاح، وعندما يتم إزالة وصاية التنظيم القائمة على السلاح والقوة، سيظهر نوع من الفاعلين السياسيين الأكثر واقعية ومعقولية. وهذا سيجعل القضية أكثر قابلية للنقاش، كما هو واضح من التصريحات، على مستوى البرلمان والمجتمع والإعلام. سوف تتحول قضايانا إلى حالة يمكن مناقشتها بشكل أكثر راحة. عندها سيتمكن الجميع من إفراغ ما في جعبتهم. ماذا يوجد في جعبتك؟ دعنا نرى. الآن الجميع يحاول قراءة النوايا. أي أننا نقرأ النوايا. إذن ماذا نفعل لحل هذه القضية؟ ماذا يجب أن يحدث حتى تُحل القضية الكردية؟ هذه مجالات غامضة جدًا ويجب مناقشتها ببرودة أعصاب. كما قلت، المجتمع الكردي مجتمع يضم أشخاصًا من كل الطوائف والآراء، من أكثر المتعصبين إلى أكثر الليبراليين، ولديهم آراء مختلفة في هذا المجال.
– بين الأكراد، هناك اختلافات في المعتقدات والمذاهب، وعوامل مختلفة. هناك أحزاب وبيئات أيديولوجية. في هذا السياق، فإن اختزال الموضوع بمصطلح “الأكراد” يحوّل كلاً من الأطراف المعنية والاختلافات في المشكلات والحلول إلى أرضية اختزالية. ما هي الأرضية والأسلوب الذي تعتقد أنه سيكون أكثر فعالية في تحقيق نتائج؟
– هذا سؤال قيم حقًا. كما تعلمون، هذا في الواقع نوع من التكاملية المتشددة. أي أن اختزال كل شيء ووضعه في كيس واحد، والتعامل مع الجميع وكأنهم متشابهون ومتماثلون، هو نهج فاشي. الأكراد يعيشون منذ فترة طويلة تحت هذا الضغط التكاملي المتشدد والفاشي من كلا الجانبين. وبالمثل، عاشت السياسة التركية هذا الوضع خلال فترة الوصاية. أي أنه تم فرض سياسة تعمل على أساس معضلة الخيانة والولاء على تركيا خلال فترة الوصاية. إذا انحرفت ولو بمقدار ملليمتر عن الرؤية التي وضعها الأوصياء، أي البيروقراطية العسكرية، فأنت تصبح خائنًا أو غير مخلص. هناك إملاء مماثل في السياسة الكردية، بل إنه إملاء مزدوج: من ناحية، هناك الكردية المقبولة التي يفرضها التنظيم، ومن ناحية أخرى، هناك الكردي المشبوه الذي تشكل بسبب تصور الإرهاب. وهذا يجبر المجتمع الكردي بأكمله على تبني تصور فاشي موحد، أحادي اللون. هذا غير صائب.وغير واقعي في نفس الوقت. أي أن المجتمع الكردي، مثل المجتمع التركي، هو مجتمع مسلم، ولكن فيه ملحدون، ويساريون، ويمينيون، ومتدينون، ومدافعون عن الشريعة. نعم، فيه كل هذا لأن الحياة هكذا، مزيج من الألوان. لذلك، فإن ظهور كل هذا التنوع في المجتمع الكردي، واختلاف الآراء والنهج، والسياسات المختلفة، وقدرتهم على التحدث وعرض برامجهم والحصول على موافقة المجتمع، هو أمر قيم. يجب التعامل مع الأمر بهذه الطريقة. وبالتالي، فإن هذه التصريحات، وهذه النوايا الحسنة، حتى لو جعلت القضية قابلة للنقاش على أرضية أكثر واقعية، فهي في حد ذاتها تحمل خيرا كبيرا في رأيي.
– هل ننتقل أستاذي إلى الحديث عن “بي واي دي” (حزب الاتحاد الديمقراطي)؟ أقصد “بي واي دي” و”واي بي جي” (وحدات حماية الشعب) في سوريا. موضوع نزع سلاحهم ودمجهم في نظام سوريا الجديد هو أحد أكثر المواضيع التي يتم مناقشتها اليوم. لدى إدارة أحمد الشرع طلب من “بي واي دي” في سوريا بإلقاء السلاح وتسليم المناطق التي يسيطرون عليها إلى الدولة السورية في إطار النظام الجديد. مشكلة “بي كي كي” هنا أصبحت في الواقع مشكلة مشتركة بين تركيا والعراق وسوريا، وكذلك الأكراد في هذه الدول. في المعادلة الجديدة للشرق الأوسط التي تشكلت بعد الثورة السورية، والتي تخلو من إيران وروسيا، وربما من أمريكا أيضا – أو بوجود أمريكي أقل فعالية-، ما هو معنى هذه الخطوة التي اتخذتها تركيا بالنسبة لجميع دول الشرق الأوسط وشعوبها برأيك؟ وما هو المستقبل الذي تحمله؟
– هذا بالنسبة لتركيا يمثل مسؤولية وحتمية في نفس الوقت، أي حتمية تفرضها الحقائق، كما أشرنا في هذه الرؤية. وهي رؤية تقوم على وضع سياسة المنطقة في إطار يمكن لثلاث دول، وهي تركيا والعراق وسوريا، التحرك فيه بشكل مشترك. كما هو معروف، كان “بي كي كي” لفترة طويلة تنظيما يوفر له نظام البعث الحماية لاستخدامه ضد تركيا. كان لدى حافظ الأسد شرط واحد لهذا الدرع الواقي: يمكنك تجنيد المقاتلين من هنا، ولكنك لن تقوم بأي نشاط للأكراد في سوريا. في الواقع، تمركز “بي كي كي” هناك لسنوات طويلة، ما يقرب من 20-30 عامًا، لكنه لم يقدم أي انتقاد لنظام حافظ الأسد. لم يمارسوا أي سياسة هناك. حتى أن جزءًا كبيرًا من الأكراد لم تكن لديهم بطاقات هوية، بل كانوا محرومين من أبسط الحقوق. كان المجتمع الكردي يعيش تحت ضغط شديد من القومية الاشتراكية للبعث، لكن “بي كي كي”، رغم ذلك، لم يقم بأي نشاط ضد نظام البعث في سوريا. في المقابل، تم دعمه مالياً وتوفير الحماية له. كانت مقرات “بي كي كي” موجودة لسنوات طويلة في دمشق. منذ البداية، كان الأكراد السوريون يمثلون جناحًا مهمًا داخل “بي كي كي”. أما “واي بي جي”، فهي في الواقع كيان تم إنشاؤه تحت مظلة هذه الحماية، وهو كيان هرموني بعض الشيء. أدت التطورات في سوريا، إلى جانب ظهور إدارة إقليم كردستان العراق بعد الاحتلال الأمريكي، إلى زيادة التوقعات بتشكيل منطقة إقليمية في سوريا تشبه الفيدرالية. كما هو معروف، في بداية الحرب بسوريا، قرر نظام الأسد، بعد أن أصبح في مأزق، تعيين “بي واي دي” كوصي على المنطقة. في الواقع، كان “بي واي دي” يعمل كوصي باسم نظام الأسد. وتولى إدارة المنطقة كوصي لفترة من الوقت. ولكن بعد أن ضعف الأسد، تم إنشاء نظام يشبه الكانتون هناك. كما تشكل كيان من المجالس المحلية وما إلى ذلك. ثم جاءت أمريكا إلى المنطقة وأصبحت جزءًا من المعادلة، ودخلت المنطقة تحت الحماية الأمريكية. وتطورت الأحداث إلى مكان مختلف تمامًا. وفي النهاية، وصلنا إلى النقطة التالية: الحزام الواقع على الحدود التركية حيث يعيش الأكراد بشكل رئيسي بات منطقة مجزأة. أي أنها ليست بالكامل تحت سيطرة “بي واي دي”. وفي المناطق المتبقية، هناك أيضًا عدد محدود من الأماكن السكنية التي يشكل الأكراد أغلبية فيها. بشكل عام، يشكل العرب الأغلبية في المنطقة التي يسيطر عليها “بي واي دي”. أما عفرين فهي تحت سيطرة تركيا أو القوات التي تدعمها. وما تبقى هو المنطقة الممتدة من القامشلي والحسكة والمالكية باتجاه العراق. بالإضافة إلى المناطق النفطية باتجاه الرقة ودير الزور. وتشير تقديرات إلى أن عدد سكان هذه المناطق أقل من مليوني نسمة.
– ما هي نسبة “بي واي دي” هنا؟
– الكتلة السكانية الأساسية للأكراد ليست في المنطقة التي يسيطر عليها “بي واي دي”. في المنطقة الخاضعة لسيطرة “بي واي دي”، يشكل الأكراد ربما أقل من نصف المجتمع، ولكن “بي واي دي” يسيطر على ما يقرب من 45 في المئة من سوريا، نحو 43 في المئة أو أكثر قليلا. إنهم يسيطرون على ما يقرب من 100 في المئة من الموارد الطبيعية. النفط والغاز وما إلى ذلك. كما أنهم يتحكمون بجزء كبير من طرق التجارة الرئيسية باتجاه العراق، وجزء مهم من الأراضي الزراعية. لكن الجزء الأكبر من السكان في المنطقة هذه هم من العرب. وهذه ليست بنية يمكن الحفاظ عليه بأيديولوجية القومية الاشتراكية الكردية. لذلك، فإن مشروع “بي واي دي” لإنشاء كيان إقليمي مشابه لإقليم كردستان العراق غير واقعي. كما هو معروف، في العراق، عاش الأكراد في منطقة جغرافية تختلف بشكل كبير عن المنطقة الصحراوية التي يعيش فيها العرب في البلاد، ودون أن يمتزجوا كثيرًا مع المجتمع العربي. تاريخيًا أيضًا، لم يمتزجوا. لذلك، فإن وجود إقليم كردستان العراق له معنى ويمكن الحفاظ عليه من الناحية الجغرافية والديموغرافية والموارد. أما في سوريا، فإن فكرة وجود كيان إقليمي تحت سيطرة “بي واي دي” مشابه لإقليم كردستان العراق هي فكرة ساذجة وغير واقعية إلى حد كبير. هنا، يحتاجون إلى درع حماية عالي المستوى مثل إسرائيل أو أمريكا أو قوى أخرى. وقد طلبوا من فرنسا أن تأتي وتحمي هذه المنطقة تحسبا لاحتمالات مغادرة أمريكا. كما تعلم، جاء تصريح مماثل من فرنسا، وردًا على ذلك، أصدر وزير الخارجية هاكان فيدان بيانًا قال فيه: “نحن نتعامل مع أمريكا. ولا نتعامل مع دول صغيرة تتحرك تحت ظل أمريكا”. لذلك، فإن ادعاء وجود كيان إقليمي تحت سيطرة “بي واي دي” في المنطقة، هو ادعاء غير مستدام. يعيش الأكراد في سوريا، كما هو الحال في تركيا، في حالة من الاختلاط الكبير. في دمشق، هناك مجتمع كردي كبير يقطن في حيين، هما الشيخ مقصود والأشرفية. وفي الحزام الممتد على الحدود التركية، هناك أيضًا عدد كبير من السكان الأكراد الذين يعيشون مختلطين مع العرب. لذلك، آمل أن يكون للأكراد هناك مستقبل في بيئة ديمقراطية، حيث يتمتعون بالحرية، ويتم الاعتراف بحقوقهم، ويحظون بالاحترام في إطار دولة. لكن المستقبل في الحالة القائمة، أي على شكل دولة لـ “بي واي دي”، يبدو مستحيلا.
– أستاذي، هل نستطيع القول إن تعميق تركيا للديمقراطية، وتطوير نظامها القانوني على أساس المساواة، بالإضافة إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي وتحولها إلى دولة أكثر فعالية في السياسة الخارجية، يمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به لجميع دول المنطقة؟
– هذا ما يجب أن يكون. أي أن حقائق المنطقة تجعل هذا الأمر ضروريًا. ويبدو أن تركيا ستلتزم بهذه الضرورة. في الواقع، من الواضح أن الإدارة الجديدة التي تشكلت في سوريا ستكون إدارة مقربة من تركيا. ومن المتوقع أن يظهر العراق أيضًا نهجًا مشابهًا في فراغ القوة الناتج عن انسحاب إيران من المنطقة. هناك مشروع طريق التنمية الذي تم التفاوض عليه بين البلدين لفترة طويلة وقد تم إحراز تقدم معين فيه. في رأيي، ستنضم سوريا أيضًا إلى هذا المشروع الذي أبعدته عنها إدارة الأسد في وقت سابق. يتم عقد اتفاقيات أمنية من جهة أخرى. كل من الحكومة السورية الجديدة والحكومة العراقية الحالية تعتبران “بي كي كي” تنظيما إرهابيا وتتخذان إجراءات ضده. لذلك، فإن الدول الثلاث سوف تتقارب أكثر تحت قيادة تركيا في إطار هيكل جديد للتنمية الاقتصادية والأمن. من المأمول أن تتحول هذه العلاقات إلى تحالفات أعمق. لكننا سنرى مدى إمكانية تطبيق ذلك. لأن هذا الأمر مرتبط ليس فقط بتركيا والعراق وسوريا، بل أيضًا بالدول التي لها مصالح في الخلفية. أولاً، هل ستنسحب أمريكا من المنطقة؟ سنرى ذلك. روسيا انسحبت لأنها فقدت قدرات كبيرة في أوكرانيا. وإيران انسحبت لأنه تبين أنها لا تملك القدرات التي ادعت امتلاكها في مواجهتها مع إسرائيل. لذلك، نحن هنا وحدنا معا. في الواقع، تبين أن السكان الشيعة في العراق ليسوا شيعة بالطريقة التي يتصورها الإيرانيون، أي ليسوا شيعة مفتونين بإيران، بل هم شيعة عرب يتنافسون مع إيران، أي أن عروبتهم تأتي في المقدمة. لقد رأينا شيئًا مشابهًا في أذربيجان كما تعلم. الهوية التركية كانت مقدمة على التشيع. نفس الشيء يحدث هنا. لذلك، أكرر مرة أخرى، يجب أن نتعامل مع القضية من منظور اجتماعي. إذا لم تكن هناك عوامل قوية تتدخل، فإن الاجتماعيات ستفرض نفسها كما يقول المثل “الماء يتدفق ويجد مجراه بنفسه”. وهذا يجعل التعاون الاقتصادي والصناعي والأمني بين هذه الدول الثلاث أمرًا ضروريًا، وهذا الأمر سيتحقق. لكن هناك العديد من الدول التي تعمل على منع حدوث ذلك. في المقدمة، إسرائيل وأمريكا وبعض الدول العربية لا تريد ذلك. لأنه في النهاية، إذا تمكنت تركيا من بناء ديمقراطية عالية المستوى كما ذكرنا، فإن ذلك سيؤثر على سوريا والعراق. ولكن في نفس الوقت، سيشكل خطرًا على بنية الملكيات العربية. في الواقع، كان موقف هذه الأنظمة الرجعية واضحًا خلال الربيع العربي. لذلك، فإن بعضها لا يريد ذلك. أقرأ تعليقات المثقفين السعوديين وهي حقًا محيرة للعقل بشكل مثير. ولكن بغض النظر عن ذلك، ففي النهاية، القوة تفسد اللعبة، وهناك كيان في هذه المنطقة بأكملها كبير بما يكفي لتسميته دولة؛ إنها تركيا. بتجربتها الديمقراطية، وإنتاجها الصناعي، وهيكلها السياسي والاجتماعي، وصناعتها العسكرية وقدراتها، ستكون تركيا بالفعل اللاعب الرئيسي في هذا الأمر. آمل أن تتطور علاقات أسرع وأعمق مما هو متوقع بين الدول الثلاث في وقت قصير.
– في بناء هذا النموذج الديمقراطي المتوقع، يبدو أن هناك طريقين رئيسيين: الأول هو أن يلعب الأكراد دورًا إيجابيًا في الدول الثلاث ويكونوا فاعلين نشطين، والثاني هو أن تكون المنظمات التي تدعي تمثيل الأكراد تحت تأثير دعم إسرائيل والغرب في محاولة لإنشاء دولة قومية قسرية. كتابك؛ “الأكراد عند مفترق الحقائق والأحلام”، يحلل هذه المعضلة التاريخية والخيارات الحرجة. الآن، مع تطور هذا الوضع، ماذا يمكننا أن نقول عند إعادة التقييم؟ أي خيار يبدو أكثر معقولية وإمكانية في رأيك؟
– -هل الدولة هي مسألة تركيبة عرقية؟ هل الدولة هي موضوع مرتبط بتركيبة عرقية؟ أو هل ينبغي للدولة أن تقوم على بنية عرقية؟ هذا نقاش كبير. في تاريخنا، هناك مفهوم يسمى “الدولة الكريمة”. الدولة تدير ديموغرافيا في منطقة معينة، وتخلق قدرة في مجال اقتصادي، وما إلى ذلك. من المهم أن يشعر الناس الذين يعيشون داخل هذه الدولة، أي المواطنون، بالراحة والأمان والأهمية والقيمة. لكن هذا لا يعني أن الأتراك هم وحدهم يعيشون في تركيا، وأن تركيا للأتراك، وأن تركيا تركية. أو أن هناك دولة كردية، وهي للأكراد، ويعيش فيها الأكراد وحدهم. هذا نهج محدود للغاية في فهم الدولة. في الواقع، تركيا أكبر بكثير من حدودها الجغرافية. فنحن دولة تعتبر وريثة الإمبراطورية العثمانية. وقد انبثقت من دولتنا 63 دولة. حتى أن وصف الكثير منها بالدول يحير العقل. الكثير منها على مستوى شركات نفط. في الواقع، هي شركات تتحكم بأموال ضخمة ويبلغ عدد سكانها 700 ألف أو 300 ألف نسمة. أما الدولة، فإنها مسألة ترتكز على القيم. بالطبع، سيكون هناك اقتصاد وديموغرافيا. لكن الدولة مسألة ترتكز على القيم. لذلك، الدول تكون لها قيم. أي أن هناك حاجة إلى سلم قيمي يشعر فيه الناس في تركيا بالأمان والقيمة والانتماء. وكما قلتم، الطريق إلى ذلك هو الديمقراطية. هو نظام قانوني فعال. نظام قانوني حقيقي وفعال. هو بنية اقتصادية متينة، وبيئة سياسية تحررية. تركيا بلد قادر على تحقيق هذه الأمور. في ماضينا، كانت هناك فترة وصاية، وفترات قمع ناتجة عن الانقلابات، ولا تزال بقايا تلك الفترة موجودة، ولكن يمكن التغلب عليها. من الواضح أن تعريف الدولة القومية العرقية أصبح ضيقًا على تركيا في ظل القيادة التي تقدمها تركيا. المثالية التركية أو القومية في تركيا هي قومية مثالية، وعلى الرغم من وجود نبرات عنصرية في محيطها، فإنه لا المثاليين ولا التيارات القومية الأخرى يعرّفون أنفسهم بالعنصرية، وينطبق الشيء نفسه على القومية الكردية. السبب في ذلك هو الإسلام، الذي يشكل نسيج المجتمع. يجب أن نفهم هذا. لذلك، أعتقد أنه يجب بناء تركيا على أساس أن يشعر الأكراد بالانتماء والأمان والقيمة. هذا يتطلب إرادة تنظيمية ستحدد المصير المشترك للأتراك والعرب والأكراد في المستقبل المشترك للعراق وسوريا وتركيا. هذه الإرادة هي تركيا. في هذه الرؤية، يمكن أن يكون الأكراد مصدرًا هائلًا للطاقة. في كل من العراق وسوريا وتركيا، الأكراد هم محرك للديمقراطية التعددية التحررية، والتنمية، والتضامن. العكس هو أن هذه الطاقة الكبيرة، التي يخلقها عدد سكان يتراوح بين 30 و40 مليون نسمة، تُمنح للإمبرياليين بأيدي التنظيمات الإرهابية، ويتم استخدامها من قبلهم.
– أتقصد أن يكونوا شركاء في إدارة هذه الدول، أي تركيا وسوريا والعراق؟
بالطبع. أليس الأمر كذلك؟ ما أقوله هو أن الأكراد هم المحرك الأساسي للديمقراطية في تركيا. ما نسميه “المسألة الكردية” هو اليوم المحرك الأساسي لتعميق الديمقراطية في تركيا، وجعل القانون أكثر فعالية، وتعزيز التطور الاقتصادي من الناحية الديموغرافية. الشيء نفسه سيحدث في سوريا، حيث سيخلق الأكراد ضغطًا إيجابيًا. ماذا يمكن أن نتوقع من سوريا يحكمها تنظيم موحد، مثل هيئة تحرير الشام؟ لكن سوريا التي تتشكل من مطالب الأكراد الديمقراطية ومساهماتهم وحتى ضغوطهم ستتحول إلى شيء مختلف. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأقليات الأخرى. لأن حقوق التركمان والنصيريين والدروز وغير المسلمين والآخرين ستكون محمية أيضاً بهذه الطريقة. لا يوجد طريق آخر. لذلك، يمكن أن يتشكل مناخ سياسي تستطيع فيه كل هذه المكونات التعبير عن نفسها والشعور بالانتماء والقيمة، فقط من خلال إشراك هذه الجهات الفاعلة في النظام. الأمر نفسه ينطبق على العراق. البنية المجزأة للعراق حاليًا لن تُحل إلا من خلال بروز الأكراد أكثر في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن خلال مشاركتهم الفاعلة في النظام. الشيء نفسه يحدث في تركيا، كما تعلم. ما الذي نناقشه نحن حاليا في تركيا؟ معنى تصريح السيد بهجلي هو الرغبة في جلب قضية إرهاب دامية مستمرة منذ 40 عامًا إلى داخل البرلمان، وبالتالي نقلها إلى ساحة أكثر سياسية وقابلة للنقاش. كل هذا مرتبط مباشرة بوجود الأكراد. وهو مرتبط مباشرة بالمقاومة التي أظهرها الأكراد. فهل سنحول تلك المقاومة، تلك الطاقة المقاومة، إلى طاقة إيجابية تساهم في خدمة البلد؟ أم سنتركهم كأدوات إمبريالية في أيدي التنظيمات الإرهابية؟ أو هل سنسمح بذلك؟ هذا هو النقاش بالضبط.
لذلك، أعتقد أن المساهمة الإيجابية التي يمكن أن يقدمها هذا التكتل السكاني الذي يضم 30-40 مليون نسمة يعيشون في المناطق الحدودية المشتركة بين تركيا وسوريا والعراق ستكون كبيرة جدًا وهائلة. وأعتقد أن تركيا ترى هذا أيضًا. تصريحات السيد بهجلي تعني في الواقع شيئًا من هذا القبيل إلى حد ما.
تركيا تتصرف كقوة عظمى وإمبراطورية في الخارج. فهي الدولة التي لديها أكبر عدد من القواعد العسكرية والجنود المنتشرين في العالم بعد الولايات المتحدة. ولكن عندما ننظر إلى الداخل، نحاول أن نتصرف كدولة قومية صغيرة. لا، نحن بحاجة إلى بناء الخطاب السياسي لهذا الكيان الكبير الذي نقيمه في الخارج، داخل تركيا أيضًا. هذا ما يفعله السيد بهجلي. إنه يبني لغة دولة تتصرف كإمبراطورية في الخارج. إنه يحاول تأسيس خطابها السياسي ويفتح الطريق لذلك. وبالتالي، فإن الأكراد يحتلون مكانة مهمة جدًا في هذه المعادلة. مكانة قيّمة للغاية. وأعتقد أن عقلية الدولة تدرك هذا، وتراه، وتريد تفعيله.
– السيد مصطفى إكيجي، لقد شرفتمونا. كلامكم في الصميم. نشكركم كثيرًا.
– شكرا لكم. دمتم بخير.