قصة العميان؛ النسويات والنساء السوريات

هل تتذكرون أي حركة نسائية أو جمعية دافعت عن النساء السوريات والفتيات اللاجئات في تركيا؟ أو هل سمعتم أي تصريحات من بعض النساء الشهيرات في هذا الشأن؟ ربما سمع البعض تصريحات خافتة، كلمات مائعة لم تكن واضحة تماماً! ولكن لم يكن هناك أي احتجاج ملموس، ولا أي فعالية، ولا صرخات تعلو في الشوارع…
ديسمبر 13, 2024
image_print

“التسامح يصبح جريمة عندما يطبق على الشر”

توماس مان

العالم اليوم يتابع بذهول فظائع سجن صيدنايا في سوريا، والذي أصبح يُعرف بـ “المسلخ البشري”، بسبب عمليات التعذيب المروعة التي كانت ترتكب بداخله، فضلا عن المقابر الجماعية لآلاف الضحايا في محيطه. نحن نتحدث عن سجن مخيف، تم فيه إعدام عشرات آلاف الأشخاص بطريقة ممنهجة، وعاش فيه الناس أهوال لا يمكن للعقل البشري أن يتصورها. ونحن على الأرجح سنظل نتحدث عن هذا الموضوع لفترة طويلة. في الحقيقة، كانت سوريا بأكملها منذ سنوات طويلة عبارة عن مسلخ بشري. لقد كان نظام البعث (تمثله أقلية تتحكم بالقوة في البلاد) يمارس على الشعب السوري خلال فترة حكمه تعذيباً وديكتاتورية و”تطهيرا عرقياً – مذهبياً لا مثيل له على الإطلاق. وكان الجميع يعلم ذلك!

حتى أولئك الذين تجاهلوا ضحايا الحرب منذ عام 2011، كانوا يعلمون ذلك. وكان أشباه القردة، الذين أذلوا الضحايا والمقاتلين واللاجئين وحاولوا قمعهم في كل فرصة، يعرفون أيضا هذا الأمر جيدًا. والأكثر دراية، هم أولئك الذين كانوا يعيشون بكراهية عميقة تجاه الإسلام. كانوا جميعاً جزءاً من هذا الشر، وربما لن يتغير الكثير في حياتهم وسيستمرون في العيش برفقة هذا الشر القذر الذي اعتادوا عليه.

إذا خرج أحدهم وقال إنه لم يكن يعلم، فتذكروا وقتها تعريف أفلاطون للشر. فقد كان أفلاطون ينظر إلى الشر باعتباره رذيلة وجهل. وبحسب قوله، فإن الشر هو نوع من الجهل بالواقع والفضيلة والخير.

في أحد السجون، تم العثور على مكبس وهو جهاز تعذيب يشبه تلك التي كانت تستخدم في العصور الوسطى وفي محاكم التفتيش، من أجل كسر وطحن العظام. كان هذا مجرد واحد من أدوات التعذيب.

اللاجئون كانوا أناسا هربوا من هذه الوحشية والظلم. وغالبية هؤلاء اللاجئين كانوا من النساء والأطفال. وأكبر خوف لدى النساء كان من الجلادين الذين يمارسون الاغتصاب. لذلك، كن جميعا يحاولن حماية حياتهن وكرامتهن وآمالهن أثناء محاولاتهن اللجوء إلى أراضٍ أخرى. لكن للأسف، لم تكن الأماكن التي توجهوا إليها آمنة لكل. واجه بعضهن التحديات والظلم. وأولئك الذين نجوا من الغرق في البحار، تعرضوا للعنصرية والعنف. كان سعي هؤلاء الناس للبقاء على قيد الحياة هي الأشد، وكان أصعب شيء بالنسبة لهم هو اجتياز اختبار الحفاظ على كرامتهم.

تركيا كانت واحدة من أولى الدول التي فتحت أبوابها للاجئين السوريين. وكان معظم هؤلاء اللاجئين من النساء والأطفال. وإذا بقوا في سوريا، لكانوا قد فقدوا حياتهم جميعاً أو تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب في المسالخ البشرية هناك. وفقاً للبيانات التي سجلها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، تعرضت النساء البالغات والفتيات دون 18 عاماً في مراكز الاعتقال، لآلاف حالات الاغتصاب على يد قوات النظام. وهذه الأرقام هي فقط الأرقام المسجلة! وكان من المعروف أن العدد الحقيقي للنساء والأطفال المعتقلين والمعرضين للاغتصاب، يتجاوز هذه الأرقام بكثير.

لكن، هل تتذكرون أي حركة نسائية أو جمعية دافعت عن النساء السوريات والفتيات اللاجئات في تركيا؟ أو هل سمعتم أي تصريحات من بعض النساء الشهيرات في هذا الشأن؟ ربما سمع البعض تصريحات خافتة، كلمات مائعة لم تكن واضحة تماماً! ولكن لم يكن هناك أي احتجاج ملموس، ولا أي فعالية، ولا صرخات تعلو في الشوارع…

قبل عامين، عندما توفيت مهسا أميني (22 عاماً) أثناء احتجازها في إيران، كانت هناك احتجاجات في تركيا أيضاً. عبرت النساء عن احتجاجهن على منصات التواصل الاجتماعي وفي عدة محافل. كان موت شابة مثل مهسا أميني مؤلماً للجميع. لكن العجيب أن نفس هذه الحساسية لم تُظهر تجاه النساء السوريات اللاتي تعرضن للقتل والتهجير والتحرش والاغتصاب، كما لم تُظهر أيضا تجاه النساء الفلسطينيات والأطفال!

فقط تذكروا جريمتي قتل لامرأتين! السورية أماني الرحمون، التي نجت من الحرب في سوريا واستقرت في منطقة قينارجة في تركيا، لكنها تعرضت للاغتصاب والقتل مع طفلها البالغ من العمر 10 أشهر. وفي منطقة منمان التابعة لإزمير، تم قتل امرأة حامل تُدعى منار (30 عاماً) مع طفلها البالغ من العمر 5 سنوات.

كان يجب أن يكون هناك صراخ وصخب، لكن لم يحدث شيء. النسويات في تركيا، مع “النجمات” المشهورات اللواتي لديهن الكثير من المتابعين، نجحن ببراعة في تجاهل هؤلاء النساء.

التفسير الوحيد لهذا الأمر هو أن هؤلاء النساء لم يكن “علمانيات” بما فيه الكفاية.

إن “الموضوع الأساسي في النسوية هو المرأة”، أما الدفاع عن حقوق المرأة فو في جوهره دعوة للدفاع عن حقوق “الإنسان”، وشكل من أشكال الدفاع عن الإنسانية. ومع ذلك، تعد ظاهرة النسوية في تركيا، أي ما يُسمى بالدفاع عن حقوق المرأة، ذات طابع سياسي (منحاز)، وإيديولوجي، ومنافق،  باستثناء قلة قليلة. 

عندما أنظر إلى النسويات في تركيا أتذكر دائماً لوحة “قصة العميان” الشهيرة من عصر النهضة، والمعروفة أيضاً بـ “مشية العميان” للرسام الفلمنكي بروجيل. في هذه اللوحة، يفسر بروجيل الكلمات التي قالها عيسى في الإنجيل عن الفريسيين (اليهود المتعصبين): “هم عميان قادة عميان”. وفي هذه اللوحة، نرى العميان المتسولين الذين يمسكون بعصيهم مع مرشديهم وهم يتجهون نحو حفرة.

يرى معظمنا ويدرك تلك الحفرة التي يقع فيها كل من يعاني من العمى؛ ليس الجسدي، بل “العمى المتعمد”. تماما مثلما شهدنا دموع سميرة، والدة الطفل حمزة الخطيب البالغ من العمر 13 عاماً، والذي تعرض للتعذيب حتى الموت وقطعت أطرافه في مدينة درعا السورية في 21 مايو/أيار 2011…

Meliha Çelik

مليحة تشيليك
خريجة قسم الصحافة من جامعة سلجوق. عملت لسنوات طويلة كمحررة ومذيعة ومراسلة في قنوات تلفزيونية محلية ووطنية، وكمساعدة في إخراج العديد من البرامج الوثائقية التي بثت على قناة "TRT". وأخيرا، تولت تقديم وإخراج برنامج "كرفان الصداقة" لصالح "TRT". وفي عام 2021، ألفت كتابا بعنوان "رحلة إلى بلد الحكايات: الأندلس".
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Yazdır