وكالة الأناضول
بين ما تبقى من مباني الجامعة الإسلامية المدمرة التي كانت أكبر صرح للتعليم العالي بقطاع غزة، ينشغل نازحون فلسطينيون في نصب خيامهم بعدما أجبرهم الجيش الإسرائيلي على النزوح مجددا مع استئنافه حرب الإبادة الجماعية التي بدأها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
الجامعة التي طالما شكلت مركزا للتعليم والبحث العلمي وأحرزت تقدما في التصنيفات الأكاديمية العالمية والعربية، تحولت بمبانيها التي دمرتها إسرائيل على مدار 16 شهرا إلى ملجأ للنازحين الذين شردتهم الإبادة.
بعض النازحين فضلوا نصب خيامهم داخل ما تبقى من المباني المقصوفة بين الجدران المتصدعة والأسقف المدمرة لتحميهم من رياح وأمطار الشتاء لكن تحت خطر الانهيار في أي لحظة كونها من المباني المهددة بالسقوط.
مجلدات هذه الجامعة وكتبها العريقة باتت حطبا لنيران أشعلها نازحون لصناعة الخبز لسد رمق أطفالهم وسط مجاعة بدأت أولى مراحلها الظهور في القطاع الأسبوع الماضي، جراء مواصلة إسرائيل إغلاق المعابر أمام دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية منذ 2 مارس/ آذار الجاري.
** نزوح جديد
النازحون قدموا من بلدة بيت حانون في المنطقة الشرقية لمحافظة شمال قطاع غزة، بعدما أنذرهم الجيش الإسرائيلي بالإخلاء الفوري مهددا ببدء هجوم قوي ضد حركة “حماس”، وفق مزاعمه في بيان أصدره الثلاثاء.
ولم يتبق في محافظتي غزة والشمال أماكن يمكن للنازحين اللجوء إليها بعدما أعاد الجيش السيطرة الجزئية على محور نتساريم وسط القطاع وتمركز مجددا على شارع صلاح الدين شرق المحور، فيما يتخوف المواطنون من اعتداءات إسرائيلية حال مرورهم عبر شارع الرشيد البحري غربا.
وكان الجيش أنشأ هذا المحور الممتد عرضا من الحدود الشرقية لجنوب مدينة غزة حتى ساحل البحر المتوسط لفصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، إبان العملية البرية التي بدأها في 27 أكتوبر 2023، لكن انسحب منه في 9 فبراير/ شباط الماضي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكان غالبية النازحين قبل سريان الاتفاق يتمركزون في مناطق وسط وجنوب القطاع خاصة منطقة “المواصي” الممتدة على طول الشريط الساحلي من جنوب مدينة خان يونس وحتى شمال دير البلح (وسط).
وحتى يناير الماضي، قال المكتب الإعلامي الحكومي إن الجيش الإسرائيلي دمر منذ 7 أكتوبر 2023 ما نسبته 88 بالمئة من البنى التحتية في القطاع بما يشمل المباني والمؤسسات الحيوية والخدماتية وشبكات المياه والصرف الصحي.
ويعيش النازحون أوضاعا غاية في الصعوبة بعدما تركوا خيامهم وأنقاض منازلهم التي حاولوا استصلاح بعضها خلال فترة التهدئة وكافة مستلزماتهم، ووسط منع دخول إمدادات الغذاء والماء والوقود.
**”نزحنا بقلب باكٍ”
النازح مدحت العفيفي، قال لمراسل الأناضول إنهم نزحوا من بيت حانون التي دمرتها إسرائيل خلال أشهر الإبادة الأولى بعدما بدأوا بإعادة ترتيب حياتهم من جديد.
ويضيف: “بعدما بدأنا بتنظيف الركام والعمل لنجد مكانا نؤوي إليه، مرة ثانية أمرنا الجيش بالخروج من البلدة”.
وأوضح أنهم نزحوا من ما تبقى من منازلهم بقلوب تبكي، لافتا إلى أن قرار النزوح اتخذه بعدما وجد البلدة خالية من الأطفال ممن بعمر أطفاله.
**”من جامعة إلى خرابة”
يقول العفيفي إنه لجأ إلى مقر الجامعة الإسلامية التي كانت قبل اندلاع الإبادة صرحا تعليميا “عظيما”، إلا أنه اليوم وبعد الدمار الذي حل به تحول إلى “خرابة”.
وتابع: “المكان الذي كان يخرّج الأطباء والدكاترة والمهندسين، أصبح عبارة عن خرابة عظيمة”.
وفي وصفه للمكان، قال إن القلب لا يحتمل هذه المشاهد من الدمار، فإن ما تلتقطه العدسات لا يتعدى جزءا من هول الواقع، وفق إفادته.
وعن تحول ما تبقى من الجامعة إلى ملجأ، قال إن النازحين لم يجدوا مكانا آخرا لنصب خيامهم فيه.
وأشار إلى أوضاع النازحين الصعبة بعدما استأنفت إسرائيل إبادتها حيث يعانون من أوضاع اقتصادية متردية للغاية أثرت بدورها على أوضاعهم المعيشية وقدرتهم الشرائية مع الغلاء وانعدام المساعدات والبضائع.
**”لم يبق تعليم”
داخل المباني المقصوفة، تجلس سيدتان أمام نيران أُشعلت لتوها باستخدام قطع الكرتون والأوراق لخبز عدد قليل من أرغفة الخبز لتكون أساس مائدة الإفطار.
ورصدت عدسة الأناضول الدمار الهائل الذي لحق بمباني الجامعة وأقسامها، ووثقت وجود كتابات خطها جنود إسرائيليون على الجدران باللغة العبرية أثناء توغلهم في المنطقة واقتحامه الجامعة.
عائلة المعلم محمد شمالي، نصبت خيمتها داخل أحد المباني المدمرة في خطوة محفوفة بخطر انهيار الجدران المتصدعة والسقف المدمر.
ويقول شمالي للأناضول، إنهم نصبوا الخيمة بعدما نظفوا المكان من الركام وبقايا رماد القصف الإسرائيلي.
وتابع: “الجدران متشققة ومدمرة والأسقف كذلك وممكن أن تنهار في أي لحظة، لكن لا يوجد بديل عنها خاصة وسط الجو الماطر حاليا”.
وطالب شمالي العالمين العربي والإسلامي بالعمل الجاد من أجل إيجاد حل لإنهاء حرب الإبادة الجماعية والوقوف مع فلسطينيي غزة ودعمهم.
وعن تحول الجامعة إلى ملجأ، قال شمالي: “للأسف لم يبق في غزة لا علم ولا تعليم، المكان مدمر بالكامل”.
** تدمير قطاع التعليم
وفي يناير الماضي، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن إسرائيل دمرت 137 مدرسة وجامعة بالكامل، فيما تعرضت نحو 357 مدرسة وجامعة لأضرار جزئية.
وسبق وقالت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطيني في تقرير حول الانتهاكات الإسرائيلية بحق التعليم منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى 21 يناير/ كانون الثاني 2025، إن حرب الإبادة الجماعية دمرت أكثر من 51 مبنى تابعا للجامعات بشكل كامل و57 مبنى تابعا للجامعات بشكل جزئي.
بينما تعرضت نحو 20 مؤسسة تعليم عالٍ لأضرار بالغة جراء الهجمات الإسرائيلية، وفق التقرير.
ومع سريان اتفاق وقف إطلاق النار، عاد التعليم رسميا إلى قطاع غزة وجاهيا وعن بعد، لكن استئناف الإبادة بدد أحلام الطلبة في استكمال تعليمهم.
ومنذ استئنافها الإبادة بغزة فجر الثلاثاء وحتى مساء الأحد، قتلت إسرائيل 674 فلسطينيا وأصابت 1233 آخرين معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
ويمثل هذا التصعيد، الذي قالت تل أبيب إنه يتم بتنسيق كامل مع واشنطن، أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي امتنعت إسرائيل عن تنفيذ مرحلته الثانية بعد انتهاء الأولى مطلع مارس/ آذار الجاري.
ورغم التزام حركة “حماس” ببنود الاتفاق، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المضي قدما في المرحلة الثانية، استجابة لضغوط المتطرفين في حكومته.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 162 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.