تحية ثورية إلى حلب ودمشق!

بالنسبة لأولئك الذين تنبض قلوبهم مع الشعب السوري الثائر، تكفيهم كرامة المقاومة بشرف ضد آخر قطعان الصليبيين وأعوانهم المنافقين. سوف تدمر أرض صلاح الدين الأيوبي مرة أخرى عصابات الحشاشين والرافضة الفاطميين والمحتلين الصليبيين، وستمهد بإرادتها الحرة الطريق لإنشاء أرض السلام الإقليمية الجديدة كجزء تاريخي وجغرافي ومعنوي من الأناضول. هذه هي جبهة المقاومة الحقيقية. وحينها سيتم اجتثاث المستعمرة الصليبية المسماة إسرائيل من بلدنا العظيم.
يناير 3, 2025
image_print

أثارت استعادة السيطرة على محافظة حلب، ذعر وقلق القوى الغربية الصليبية العميقة، وكذلك حلفائها الإقليميين مثل روسيا، وإيران، والسعودية، والإمارات، وبالطبع إسرائيل. فقد كانت الثورة السورية مستمرة من حيث توقفت، وتلك الجبهة الشيطانية، التي غضت الطرف طيلة 13 عامًا عن عملية جعل سوريا مثل الأندلس، أي إخلاء المسلمين منها، لم تكن قد تمكنت بعد من استكمال مشروعها، بل على العكس، تبدلت الأمور لصالح الثورة من جديد. أدوات القوى الصليبية، بمختلف أنواعهم، والذين كانوا يخفون عداءهم للإسلام بغطاء عرقي وطائفي وعقائدي، تعرضوا لصدمة كبيرة من الفتح المفاجئ لحلب. كل هؤلاء هم عبارة عن كائنات قذرة لم تفهم معنى ومهمة هذه الأراضي بالنسبة للإسلام والأمة الإسلامية، وأصبحت غريبة عنها لدرجة أنها لن تقدر على فهمها أبدًا. إنهم يحاولون منذ أيام تشويه هذه الخطوة العظيمة من خلال توجيه افتراءات دنيئة تجاه الثوار السوريين. وينتمي هؤلاء إلى بؤر الشر المعادية للإسلام والدولة العثمانية، بدءا من العصابات القومية الكردية المنحرفة، وحتى القوميين الأتراك من بقايا الشامانية المغولية، وأبناء الفرس المنافقين الذين يدافعون عن إيران أكثر من الإيرانيين أنفسهم، والكماليين العلمانيين الموالين للغرب أو روسيا أو اليساريين الطائفيين. ولكن بالطبع، الحرب لم تنته بعد، وسوف تستمر حتى تحرير بلاد الشام.

التحليلات اليومية للأحداث تكاد تكون كافية. في هذه المناسبة، دعونا نذكر مقالاً كتبناه قبل عشر سنوات حول الخلفية التاريخية التي تكمن في جوهر المسألة. دعونا نتعرف جيدًا على همجية الصليبيين والمتعاونين معهم وتاريخهم. فلا يجب أن ننسى أبدًا، ولنعلمها لأطفالنا أيضًا؛ هذه الحرب لن تنتهي أبدًا، دعونا لا نغفل عن ذلك أبدًا.

دروس من سوريا: الحملة الصليبية الجديدة وجهاد الكرامة

يقول فونك برينتانو، عضو الأكاديمية الفرنسية، إن حشود الصليبيين، التي لم تكن تختلف عن قطعان الحيوانات المفترسة الوحشية، هاجمت أراضي الأناضول عام 1096، وقاموا حينها بتقطيع أوصال الأطفال المسلمين الذين ألقوا القبض عليهم بالقرب من منطقة إزنيق، وشوي لحومهم على الأسياخ، بل إنهم أكلوا تلك اللحوم نيئة. ولما وصلوا إلى منطقة أنطاكية، جمعوا جثث المسلمين الملقاة على الأرض واحدة تلو الأخرى بأوامر من كاهنهم بيير إيرميت، وفصلوا اللحوم عن العظام، ثم وضعوا عليها الملح وطبخوها وأكلوا منها حتى الشبع. ويقتبس برينتانو، السطور المروعة التالية من “أنشودة أنطاكية” التي يعتبرها الفرنسيون ملحمة وطنية (!):

“يقدم رجل الدين المسيحي بيير إيرميت، النصيحة التالية للصليبيين الذين يشكون من الجوع أمام أنطاكية: ’سبب جوعكم هو جبنكم. اجمعوا جثث الأتراك! سوف تكون ألذ إذا تم طهيها بالملح!‘. وعلى إثر ذلك، فعل الصليبيون ما قاله لهم بالفعل”. (فونك برينتانو، “الحملات الصليبية”، باريس 1934، ص. 24).

ويتحدث تشارلز ميلز، أحد المؤرخين المسيحيين، عن وحشية وغدر بوهيموند المقززة، حفيد فيليب الأول ملك فرنسا، قائلا: “في أنطاكية، أمر بوهيموند بذبح العديد من السجناء الأتراك، وقلي لحومهم أمام الجميع. ثم خاطب الجمهور وقال إنه جاء ليشبع شهيته”. (تشارلز ميلز، تاريخ الحروب الصليبية، ص. 66، 183).

وفي الرسالة التي أرسلوها إلى البابا عام 1099م، لم يتردد قادة الحشود الصليبية في إخباره بشكل علني بأنهم أشبعوا أنفسهم بأكل لحوم المسلمين الذين قتلوا خلال المجاعة التي سادت حلب- المعرة.

وكذلك تحدث رودولف كاين، المؤرخ الفرنسي، عن تصرفاتهم المثيرة للاشمئزاز قائلا: “قام جنودنا في المعرة بسلق الكبار من اللادينيين (المسلمين) بالماء المغلي في أواني الطبخ، وقتلوا الأطفال بوضعهم على الأسياخ، ثم طبخوهم على الشواية وأكلوا لحومهم”. (أمين معلوف، الحروب الصليبية كما رآها العرب؛ لندن: دار الساقي، الطبعة الأولى: 1984، ص 38).

وتقول آنا، ابنة الأمبراطور البيزنطي أليكسيوس كومنينوس، وهي تتحدث عن وحشية الصليبيين الذين وصفتهم بـ “البرابرة” في كتابها “حياة أليكسيوس كومنينوس”: إن “من أكبر أساليب الترفيه لديهم؛ قتل وقلي وأكل أطفال المسلمين الذين يصادفونهم”. أما فولر، فإنه يشير إلى أن هؤلاء الأطفال كانوا في سن مبكرة للغاية، ويقول: “لقد تم ذبح حتى الأطفال الذين لم يكونوا يعرفون طريقة التوسل لكيلا يتعرضوا للذبح، ولم يبدأوا بعد في الكلام، وحتى النساء اللاتي كان ضعفهن عادة ما يكون سبباً للتسامح معهن في مواجهة ضربات أي محارب بطل”. (توماس فولر – الحرب المقدسة، “تاريخ الحرب المقدسة أو الحروب الصليبية”، المجلد. 1، الفصل 24).

وبعد الغزو الصليبي، بدأت الكنيسة الإسبانية، التي لم تحتمل قيام المسلمين بإقامة حضارة عظيمة في الأندلس، بالضغط على مسلمي الأندلس الخاضعين لحكمهم لكي يصبحوا مسيحيين أو يغادروا المنطقة. وبعد وقت قصير، وصلت ممارسات الضغوط والتعذيب والعنف التي تعرض لها الشعب المسلم في المنطقة من خلال محاكم التفتيش إلى ذروتها.

ويوضح غوستاف لوبون في كتابه “حضارة العرب” كيف أن ممارسات الظلم التي نفذها المسيحيون في إسبانيا ضد المسلمين وصلت إلى مستوى الوحشية والإبادة الجماعية، ويقول:

“لا يمكن أن تقرأ دون أن ترتعد قصص كل أنواع الظلم والمجازر التي ارتكبها المسيحيون المنتصرون ضد المسلمين المهزومين! لقد أجبروهم على المعمودية. وسلموهم إلى محاكم التفتيش المقدسة (!) وتسببوا في حرقهم أحياء قدر الإمكان. ومن أجل حل هذه المشاكل بسرعة، أمر رئيس كهنة طليطلة بقتل جميع العرب الذين لم يقبلوا المسيحية بالسيف. واتخذ كاهن النظام الدومينيكي إجراءات أكثر اختصارا. وأمر بقطع رؤوس جميع المسلمين، بما في ذلك النساء والأطفال. تعرض ثلاثة ملايين عربي، كانوا يشكلون الطبقة العليا في إسبانيا، من مثقفين وصناعيين، للقتل أو الطرد من شبه الجزيرة. وتلاشت الحضارات الرائعة التي ألقت الضوء على أوروبا لمدة ثمانية قرون إلى الأبد. بالمقارنة مع هذه المجازر المروعة، تعتبر “ليلة القديس بارتيليمي” (ليلة مذبحة البروتستانت على يد الكاثوليك) أشبه بشجار بسيط. ويجب الاعتراف أيضًا أنه حتى بين الغزاة الأكثر وحشية، لا يمكن العثور على أي شخص ارتكب مثل هذه المذابح المروعة!”، (غوستاف لوبون، “حضارة العرب”، ص 129، 160).

ويقول الفيلسوف الفرنسي الشهير روجيه غارودي عن الوضع الحديث لهذا التقليد الصليبي، إن “الغرب لديه القدرة على ارتكاب المجازر. بماذا أذكّركم؟ بإبادة الهنود الحمر الأمريكيين؟ أم بتجارة الرقيق؟ أم بهيروشيما؟ أم بأوشفيتس؟ هذه هي الحضارة الغربية المسيحية!.. أتدرون أن 80 في المئة من ثروات العالم يسيطر عليها ويستهلكها 20 في المئة فقط من السكان؟ 40 مليون شخص يموتون كل عام، وهو ما يعادل هيروشيما واحدة في اليوم الواحد. في البداية يشعلون النار، ثم يلعبون دور رجال الإطفاء! ما زلنا نعيش في عصر الحروب الصليبية..”.

إننا الآن في بدايات القرن الحادي والعشرين، ونشاهد كيف تتعرض سوريا لواحدة من هجمات الحملة الصليبية الأخيرة. لقد تم في وقت سابق، نشر كافة وثائق المجازر والمظالم التي تحدث في سوريا منذ 13 عاماً أمام أعين العالم. واكتفت جميع الدول بالتفرج عليها. بل إنه في السنوات الأخيرة، تم الحديث عن قضية اللاجئين فقط، ولم يتم حتى ذكر اسم نظام الأسد، ونظام البعث النصيري الفاشي الذي تسبب في ذلك، والقوات الإيرانية والصليبية الروسية التي دعمته، والولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والدول الخليجية والأوروبية التي أفسحت المجال لذلك من خلف الستار. كان الأمر كما لو أن الشعب السوري هاجر فجأة من وطنه بلا سبب ليتم وصفه بالمهاجرين الجدد الذي يغزون تركيا ولبنان والعراق والدول الأوروبية. سعى كل محبي الغرب المسيحي، سواء في تركيا أو البلدان الأخرى، إلى ضمان تجاهل مرتكب الجرائم، وأصبحوا يعادون شعبا من خلال التركيز على العواقب، وكادوا أن يكملوا المهمة التي لم تنجزها فاشية الأسد، وخرجوا في حملة لمطاردة واصطياد كل إنسان سوري. وتبين أن الحقد الصليبي الذي كان موجودا منذ ألف عام لم يتلاشى بعد. وعلى الرغم من وحشية الصور الخاضعة للرقابة التي يتم توزيعها على وسائل الإعلام، إلا أن الأشخاص الذين نفذوا هذه الحملة الدنيئة ما زالوا يعيشون بلا حياء أو خجل.

بعد انسحاب الدولة العثمانية، قامت القوات البريطانية والفرنسية التي احتلت سوريا بارتكاب أعمال وحشية مشابهة في المدن السورية التي قاومت الاحتلال بين عامي 1920 و 1921، حيث قامت بقصفها بالطائرات. وفي نفس الوقت الذي كان فيه الشعب التركي يخوض حرب الاستقلال في الأناضول، كان الشعب السوري يجتمع تحت مظلمة القوات الوطنية السورية لمقاومة الاحتلال. وقد عمد المحتلون إلى قصف المدن الكبرى مثل دمشق، وحماة، وحمص بالطائرات، مما أدى إلى تدميرها. وتشير السجلات في تلك الفترة إلى أن الآلاف من المدنيين تم قتلهم بوحشية في السجون ومعسكرات الأسرى.

أما في يومنا الحالي، فقد اندلعت الثورة السورية كتمرد ضد المجازر والمظالم التي مارستها الفاشية البعثية القومية العربية التي تمثل الصليبيين الذين عاشوا قبل ألف عام والصليبيين الذين يشبهون المحتلين الغربيين الذين عاشوا قبل مئة عام. كانت الثورة في جوهرها حركة شعبية، حيث شارك فيها العرب، التركمان، والأكراد، والمسلمون، إضافة إلى العديد من العشائر النصيرية والدرزية وبعض المجموعات المسيحية. لكن الفاشية البعثية المدعومة من الغرب وروسيا وإيران أصبحت أكثر وحشية في مواجهة انهيار نظامها المافيوي الذي دام 60 عامًا، وارتكبت الفظائع دون أي اعتبار للقيم الأخلاقية أو الإنسانية أو الدينية، ونفذت مجازر تضاهي في وحشيتها مجازر الصليبية نفسها. وبينما كان النظام العالمي الذي أسسته بريطانيا وفرنسا ينهار بشكل تدريجي بفعل الثورة التركية الصامتة والتغيير الذي أحدثه “الربيع العربي”، كان الهدف هو إيقاف هذا التغيير الكبير في سوريا بشكل خاص. لقد أثارت القوى الإمبريالية الغربية هذه الوحشية للرد على إحياء الروح العثمانية ومواصلة الصراع الداخلي فيما بينها على حساب دماء الشعوب المسلمة في سوريا وعبر الحرب بالوكالة. في هذه المأساة الإنسانية، اعتلت روسيا وإيران، حليفتا بريطانيا في الشرق، المسرح كشريكتين لفاشية البعث، ودخلت هذه المرحلة التاريخ كاختبار كبير للإنسانية وقيمها، بما يتجاوز معناها السياسي.

الإنسانية، الضمير، الكرامة، العدالة… لقد برزت أهمية هذه المفاهيم وما يشابهها أكثر في هذا السياق، وتبين في التحليل النهائي مرة أخرى أن هذه المفاهيم هي المقياس الأقدم في جذور كل الانقسامات. وقف كل شخص في الصف الذي يليق به ليظهر مدى إنسانيته ومدى كرامته. وحتى أولئك الذين كان لديهم أدنى تردد وتشوش في الأذهان بشأن سوريا، فإن الدرجة التي حصلوا عليها في اختبار الإنسانية أصبحت واضحة تماما بناءً على الصف الذي وقفوا فيه. وأصبح هناك مفترق طريق أبدي مع الذين لم يقفوا إلى جانب مقاومة الشعب السوري المجيدة والمشرفة. ولم يعد هناك ما يمكن الحديث أو الجدال بشأن، في أي وقت وفي أي قضية، مع الذين انحازوا إلى الظالمين في الثورة السورية، سواء كانوا مسلمين أو غيرهم.

حسنا، ماذا تشرح لنا هذه الوحشية في سوريا؟ لا شك أن ثورة سوريا، في سياق عملية إحياء الشعوب من تركة الإمبراطورية العثمانية بعد مئة عام، قد بشرت بيقظة ونهضة تاريخية وحيوية هامة، رغم الأثمان الباهظة والمؤلمة. هذه اليقظة تُظهر أن شعوبنا استعادت قدرتها على التمرد والاعتراض ضد الأنظمة القمعية، والتحكم بمصيرها بنفسها. وهذه المسألة بالغة الأهمية، لأنها علمتنا ربما أهم درس مستفاد من التاريخ الحديث، وهو قيمة القوة المدنية للمجتمعات. أثناء انهيار الإمبراطورية العثمانية، لم يكن هناك دعم جدي من السكان المدنيين للمقاومة والحروب التي استمرت فقط من الناحية العسكرية. ولم يكن المدنيون في الشرق الأوسط ولا البلقان يملكون أي نوع من التجهيزات للدفاع عن أنفسهم. لأن الدولة العثمانية، في أواخر أيامها، كانت قد ابتعدت تمامًا عن الشعوب ولم يكن لها أي ارتباط مع المجتمع سوى بكسب الجنود وجمع الضرائب. وأصبح الإمبراطورية العثمانية، تعتمد أسلوب حكم غير قادر على تسليح حتى المواطنين الذين تعرضوا لهجمات لا حصر لها في البلقان، ومن ثم قامت في هذا السياق، أثناء دخولها الحرب العالمية الأولى، بإحالة الضباط المسنين إلى التقاعد، وجددت الجيش بجهد خاص من أنور باشا. وبفضل بيئة الحرية التي سادت في النظام الملكي الدستوري، قامت الدولة بخطوة متأخرة مع الطرق الدينية والتكايا والعشائر والجمعيات التي نظمتها في العديد من الولايات. لكن، عندما انسحبت جيوش الإمبراطورية العثمانية من البلقان، ومن القدس، والمدينة المنورة، وبغداد، ودمشق، خلفت وراءها جموعًا من المدنيين غير المنظمين، والعزل، والمحرومين من السلاح والمال. ورغم أن هناك العديد من الأسباب لهذا العجز، إلا أنه يجب أن نتذكر في سياق تعلم الدروس، أن الجيوش البريطانية والفرنسية التي دخلت القاهرة، وإسطنبول، والقدس لم تواجه أي مقاومة مدنية تقريبًا. وهذا يعد تفصيلًا هامًا في فهمنا للمقاومة المدنية اليوم.

إن صمود الشعب السوري على مدار سنوات، بالصبر والشجاعة والإيمان، ورغم كل الأثمان، يصبح ذا معنى مختلف عندما يُنظر إليه جنبًا إلى جنب من زاوية هذا الضعف التاريخي. في الواقع، هذه المقاومة والعزيمة المدنية التي لم تفهمها القوى الصليبية ولا المتعاونون معها، تجسدت في أشكال متعددة: تغيير ديمقراطي ضد نظام الوصاية في تركيا، وانتفاضة غير مسبوقة لملايين الأشخاص ضد الانقلاب في مصر، وجهد للتسامح الديمقراطي والتضامن المدني في تونس، وحرب شعبية وثورة تحرير في سوريا. وربما هذه هي المرة الأولى التي تتصدر فيها الشعوب المشهد بدلا من الدول، وقد أظهر هذا المشهد بالتحديد كيف تم استخدام خدعة “حق الشعوب في تقرير مصيرها”، التي اختلقها ويلسون لتفتيت الإمبراطورية العثمانية، ثم تبناها روزفلت وتشرشل وستالين بقوة من أجل عمليات التقاسم الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية. نعم، الشعوب المسلمة، من خلال إسقاط الأنظمة الاستعمارية والكانتونات الصليبية التي كانت تحكمها الدول الغربية، بدأت في اتخاذ مسارها الخاص نحو تقرير مصيرها وإعادة بناء إرادتها الحرة. نعم، لقد دمرت الشعوب الإسلامية الدول الغربية التي بحكم المستعمرات والكانتونات الصليبية المغطاة، وبدأت تحدد مصيرها بإرادتها.

لقد رد الشعب السوري على الظالمين بجهاد مهيب بكل معنى الكلمة ليرسم مصيره بمشاعر الحرية والكرامة. إنهم يريدون تشويه هذا الجهاد من خلال ربطه بجرائم عصابات داعش المدعومة من إيران وإسرائيل والأسد والولايات المتحدة، على طراز بلاك ووتر. وهو ما تحاول شبكة الدعاية الصليبية تصويره بالفعل. لكن الحقيقة هي أن المقاومة التي ينظمها السكان المدنيون بقوتهم الخاصة، متواصلة بجيش من المتطوعين قوامه مئات الآلاف وبدعم مخلص من ملايين السوريين. كما أن هذا الجهاد المدني الرائع، الذي حاولت وسائل الإعلام الغربية إخفاءه، أظهر أيضًا طبيعة الملحمة التي سطرها شعب في اختبار الإيمان والكرامة. وبالمثل، كشفت هذه الثورة بشكل واضح عن ازدواجية الغرب في ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان. والدرس الوحيد الذي تعلمه الغربيون من الجرائم التي ارتكبوها في البوسنة وفلسطين وأفغانستان والعراق هو أنهم هذه المرة جعلوا المنافقين وليس غير المسلمين يرتكبون مجازر ضد المسلمين. الأنظمة الشيطانية المسماة إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عملت نيابة عن الغرب على إرسال قطعانها من القتلة المنافقين بسرعة لمساعدة شبيحة الأسد في محاولة منها لخنق الثورة من خلال ذبح المقاومين الأحرار في سوريا تحت مسميات مختلفة مثل حزب الله والحشد الشعبي وداعش وفاطميون وما إلى ذلك.

في هذه النقطة بالتحديد، لا ينبغي الاستماع بعد الآن إلى ما يسمى بالتحليلات المتعلقة بسوريا والتي تشوش العقول من خلال الديماغوجية والعداء. أولئك الذين يجدون الأعذار لتعليقاتهم الخانعة وعدائهم للثورة فيما يخص المظالم التي دفعت حتى الشعب السوري إلى عدم الشكوى بل التمسك بالمقاومة بمزيد من التصميم، يجب أن يُتركوا لوحدهم وجها لوجه مع مخاوفهم ونفاقهم. بل إن الوقت قد حان لإظهار روح معنوية أقوى وتضحية بالنفس من شأنها أن تحمل المقاومة إلى النصر من خلال السعي لاستخلاص الدروس من هذه الإرادة التي تقاوم ولم تهزم أمام العالم كله تقريباً. وفي نهاية المطاف، سوف تحدد طريقة النظر إلى هذه المأساة والوحشية والجهاد المشرف الذي يجري بجوارنا، مصير الجميع في المستقبل. ولا شك أن الذين يوالون الظالمين ستكون عواقبهم متشابهة مع من يوالون.

إن القوى التي تحاول قمع ومعاقبة صحوة الشعوب الإسلامية في تركيا وسوريا أصبحت تزداد وحشية ضد الثوار السوريين، الذين أظهروا للمرة الأولى إرادة أكثر إصراراً على المقاومة بدلاً من الخنوع والتراجع أمام المذابح الوحشية المرتكبة. وهذه السياسة، التي ينتهجونها على حساب انتهاك قيمهم المزعومة، سوف تطال أرضهم حتما عاجلاً أم آجلاً.

أما بالنسبة لأولئك الذين تنبض قلوبهم مع الشعب السوري الثائر، فتكفيهم كرامة المقاومة بشرف ضد آخر قطعان الصليبيين وأعوانهم المنافقين. سوف تدمر أرض صلاح الدين الأيوبي مرة أخرى عصابات الحشاشين والرافضة الفاطميين والمحتلين الصليبيين، وستمهد بإرادتها الحرة الطريق لإنشاء أرض السلام الإقليمية الجديدة كجزء تاريخي وجغرافي ومعنوي من الأناضول. هذه هي جبهة المقاومة الحقيقية. وحينها سيتم اجتثاث المستعمرة الصليبية المسماة إسرائيل من بلدنا العظيم. فهذه الحرب تمثل غزوة عريقة في سبيل نيل الكرامة، وفيها الهزيمة وفيها النصر. ولا شك أن النصر يعد مكافأة بسيطة، أما الغزوة فهي رحلة أبدية. وغزوتنا هي مقياس كرامتنا. فالله معنا وهذا يكفينا.

Ahmet Özcan

أحمد أوزجان:
اسمه الحقيقي هو سيف الدين موت. خريج كلية الإعلام بجامعة إسطنبول (1984-1993)؛ عمل في مجال النشر والتحرير والإنتاج والكتابة. مؤسس دار نشر يارن (Yarın) وموقع (haber10.com) الإخباري. أحمد أوزجان هو الاسم المستعار للكاتب.
المجلات التي شارك فيها:
إيمزا (1988)، يرْيُوزُو (1989-1992)، ديغيشيم (1992-1999)، هَافْتَايَا بَاكِيش (1993-1999)، أولْكِه (1999-2001)، تركيا ودنياده يَارِن (2002-2006).
كتبه الصادرة: من أجل جمهورية جديدة / الدولة العميقة وتقاليد المعارضة / سيمفونية الصمت / شب يلدا / التفكير من جديد / الجغرافيا السياسية للاهوت / انسحاب العثمانيين من الشرق الأوسط / رسائل مفتوحة / من لا قضية له ليس رجلا / الإيمان والإسلام / دعونا نقدم الزهور للمتمردين المهزومين / التوحيد والعدالة والحرية / الدولة والأمة والسياسة
الموقع الإلكتروني: www.ahmetozcan.net - www.ahmetozcan.net/en
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Yazdır