الثورة السورية والإبادة في غزة قتلتا “الغرب الصليبي”

في المرحلة التالية، سوف تواجه هذه القوى الصليبية الاستعمارية حروبا داخلية فيما بينها، مثل حرب المئة عام وحرب الثلاثين عامًا، وأخيرًا الحرب العالمية الثانية، حيث ستلجأ إلى قتل شعوبها وستخسر استقرارها الداخلي بالكامل. وكلما فقدت مستعمراتها، سوف تتقلص الكعكة وستتداخل مصالح اللصوص الأربعين. موت الغرب الصليبي المقنّع بالحداثة والتقدم، سيكون على ما يبدو أكثر مأساوية من سقوط روما. التقنيات الفائقة وأسلحة الدمار الشامل وأنماط الحياة المنحرفة التي فرضت على البشرية، سوف تكون حتما مقبرة لهذه القوى الاستعمارية.
02/02/2025
JPEGmini
image_print

تعزز المجازر الوحشية المرتكبة بحق المسلمين، إحدى أكثر الشرائح تعرضا للهجمات في القرن العشرين، سواء في الدول الإسلامية التي أصبحت مستعمرات أو شبه مستعمرات، أو باعتبارهم مواطنين في دول أخرى، صورة الهجوم الصليبي الشامل. 

لم تتوقف الهجمات والمجازر ضد الشعوب الإسلامية منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على يد القوى الصليبية عام 1948، وحتى العقد الثاني من الألفية الثانية في دول مثل الجزائر والعراق وأفغانستان وليبيا وتونس ومصر والبوسنة والشيشان وميانمار والهند. لقد تدمرت نفسياتنا إزاء المجازر وممارسات التعذيب التي قامت بها ديكتاتورية الأقلية النصيرية في سوريا منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011، وكذلك الإبادة الجماعية والاحتلال على يد إسرائيل في غزة مؤخرا. تعرض المدنيون في غزة للهجمات حتى في الكنائس ومدارس الأمم المتحدة والمستشفيات، ومع ذلك لم تتدخل الدول الغربية لحمايتهم.

في 8 ديسمبر 2024، حققت ثورة الشعب السوري هدفها بعد أن هرب الأسد من دمشق، الأمر الذي أنعش أفئدتنا جميعا. ولا شك أن التغيير الذي حدث في سوريا ستكون له نتائج من شأنها توجيه مستقبل الشرق الأوسط برمته. ومع ذلك، لم نتمكن من الاحتفال بهذه الثورة التاريخية كما كنا نأمل، لأن القوى الصليبية وحلفائها مثل روسيا وإيران، والبذور التي زرعها الصليبيون في تركيا، كما ظهر في اختبار سوريا الفاصل، لا تريد أي خير للمسلمين، بل إنها تزيد من كراهيتها وعدائها تجاههم.

عمليات التطهير العرقي والاحتلال على يد إسرائيل في غزة، والمجازر التي ارتكبتها، جعلتنا نعتقد في كل مرة أن الأمر لا يمكن أن يصبح أسوأ مما نشاهد، ولكن إسرائيل استمرت في ارتكاب جرائم أكثر فظاعة ودناءة. 

استهداف الأطفال من رؤوسهم برصاص القناصات – وهي على الأرجح الهجمات التي استهدفت أكبر عدد من الأطفال عمدًا – وتدمير المنازل وإبادة العائلات والمدنيين الأبرياء بالكامل، والإعدامات، والاعتقالات، والتعذيب والاغتصاب الذي طال أشخاصًا من جميع الأعمار بما في ذلك الأطفال، ومنع وصول المساعدات المائية والغذائية والدوائية، والأكثر إثارة للرعب هو تصاعد انتهاكات الحقوق إلى ذروتها وتقبل المجتمع الدولي لكل هذا بصمت وعدم استجابة؛ كل ذلك منعنا من التعبير علانية عن الارتياح الذي شعرنا به بعد سقوط النظام النصيري الطائفي، الذي كان من بقايا الاحتلال الفرنسي في سوريا. كان صمت المجتمع الدولي تجاه معاناة الشعبين السوري والفلسطيني أكثر إثارة للرعب من الجرائم نفسها، وأصاب الضمير الإنساني بجروح عميقة. هذا الوضع الذي يمكن تسميته بـ”درع الإفلات من العقاب”، سمح لإسرائيل باحتلال الأراضي السورية على الفور.

الآن، بعد أسبوع من وقف إطلاق النار، نشاهد عودة الفلسطينيين إلى منازلهم رغم القصص المؤلمة، وكيف أنهم حولوا عودتهم إلى احتفالات تشبه العيد. نشكر الله على أن صلواتنا وجهودنا خلال الـ15 شهرًا الماضية قد أتت ثمارها.

وأثناء مشاركتنا لهذه الفرحة، جعلت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين يدفعون مرة أخرى فاتورة الإذلال والفشل الذي تعرضت له من خلال وقف إطلاق النار. هذه المرة، نقلت إسرائيل سياساتها التدميرية والعدوانية من غزة إلى الضفة الغربية، مما قطع فرحة سكان غزة والرأي العام العالمي مرة أخرى. لقد تم إلى حد كبير قبول الرأي القائل بأن إسرائيل، التي تتكون من شعب مجمع من هنا وهناك، هي عبارة عن مجتمع شاذ و”فاسد” لا يختلف عن الحيوانات المتوحشة (حيوانات ناطقة فقط لأن هذا تعبير علني عن أن العقلية الغربية لم تفهم أبدًا معنى الإنسانية)، وليس لديه أي حدود أخلاقية، ويشكل تهديدًا لجميع الدول والمواطنين. 

وبهذه المناسبة، أصبحت الحجج التي تطرح من أجل تبرئة إسرائيل، مثل حل الدولتين، بلا قيمة، وفقدت إسرائيل أي شرعية لوجودها. لم تنجح حجج الصهاينة، مثل هجوم حماس في 7 أكتوبر وادعاءات مقتل 40 رضيعا، في إخفاء العقلية التي تتواصل منذ تأسيس إسرائيل.

هذه الهجمات، التي تقف خلفها العقلية الصليبية، كشفت مرة أخرى خيانة الغرب للقيم العالمية التي كان يختبئ وراءها منذ مدة، واستمرار طبيعته المنافقة في الاستعمار واغتصاب الأراضي، وأن الدول الغربية لم تحرز أي تقدم في هذا الصدد. 

ورغم كل شيء، تحرك الضمير الإنساني في مواجهة مجزرة غزة. وخرج ملايين الأشخاص في الغرب إلى الشوارع، رغما عن حكوماتهم التي باتت عبيدة للشياطين العالميين، للتعبير عن مشاركتهم لآلام شعب غزة والإعلان عن رفضهم واستنكارهم للصهيونية. لا شك أن مقاومة سكان غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة في مساحة لا تتجاوز 40 كيلومتراً مربعاً، باستخدام أسلحتهم المتواضعة ضد أكثر القنابل تطورًا، نجحت في تعبئة وإثارة الرأي العام العالمي. فقد تشكلت قاعدة دعم قوية وملحوظة من مختلف الأديان والآراء والبلدان. ومع ذلك، أدت الهجمات العشوائية المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا وألمانيا إلى محو أكثر من ألف عائلة، مخلفة دمارًا شاملًا. المجازر والتجويع والتعطيش والحرمان من الأدوية والإبادة الجماعية قضت على سمعة الغرب ومؤسساته، بينما وحّدت مقاومة غزة الملحمية البشرية جمعاء حول القيم الإنسانية.

قوانين معاداة السامية التي تم إصدارها بسرعة في الولايات المتحدة وألمانيا تعطي إسرائيل حصانة لاحتلال أي مكان تريده، وقتل المدنيين، وقمع الثقافات والمعتقدات الأخرى. هذا الموقف من الدول الغربية، الذي يدمر قيمها بأيديها من أجل حفنة من الوحوش الصهاينة، قد سجله التاريخ. كما أن هذا الموقف سيمهد لانهيار الغرب في العقود القادمة، وصعود الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وتحرر الشعوب من سحر هذه الحضارة الزائفة.

في المرحلة التالية، سوف تواجه هذه القوى الصليبية الاستعمارية حروبا داخلية فيما بينها، مثل حرب المئة عام وحرب الثلاثين عامًا، وأخيرًا الحرب العالمية الثانية، حيث ستلجأ إلى قتل شعوبها وستخسر استقرارها الداخلي بالكامل. وكلما فقدت مستعمراتها، سوف تتقلص الكعكة وستتداخل مصالح اللصوص الأربعين. موت الغرب الصليبي المقنّع بالحداثة والتقدم، سيكون على ما يبدو أكثر مأساوية من سقوط روما. التقنيات الفائقة وأسلحة الدمار الشامل وأنماط الحياة المنحرفة التي فرضت على البشرية، سوف تكون حتما مقبرة لهذه القوى الاستعمارية.

ما نأمله هو أن يتحرر العالم من الإرهاب القائم على ذريعة “الحرب على الإرهاب” والتي طورها الغرب لتحقيق أهدافه في احتلال واغتصاب أراضي الآخرين، وهو الأمر الذي سيجعلنا نتنفس الصعداء قليلاً. 

ومن المؤكد أن النتائج التي ظهرت خلال الـ15 شهرًا الماضية في غزة فقط تكفي لإثبات ما هو قادم.

Ayşe Doğu

عائشة دوغو
باحثة وكاتبة. محررة دار Yarın للنشر. كاتبة ومحررة في مجلتي Değişim وYarın وموقع haber10.com.
الموقع الشخصي: http://www.aysedogu.com
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.