الأنظمة الملكية بالشرق الأوسط في الحرب السودانية: ما الذي يوجه مصالحها؟

أدى تحول الولايات المتحدة نحو آسيا – حيث أعادت توجيه مواردها من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ – بالإضافة إلى احتجاجات الربيع العربي، إلى زيادة حالة عدم اليقين بين دول الخليج. وقد أسهم ذلك في إعادة تشكيل ديناميكيات القوى الإقليمية وتشكيل تحالفات متصارعة. ونتيجة لذلك، سعت الإمارات والسعودية إلى تعزيز علاقاتهما مع الدول الأفريقية. وفي السودان، تطورت هذه العلاقة عبر المشاركة العسكرية والسياسية.
11/04/2025
image_print

اندلعت الحرب الأهلية بالسودان في أبريل/ نيسان 2023، وتحولت إلى صراع تدخلت فيه العديد من الأطراف الخارجية. ووضعت الحرب الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع شبه العسكرية ضمن صراع على السلطة السياسية والاقتصادية، مما تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وقد سارعت العديد من الدول الأجنبية إلى دعم أحد الطرفين، ومن بين هذه الدول تشاد، ومصر، وإيران، وليبيا، وقطر، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.

على الرغم من إنكار الادعاءات، توفر المملكة العربية السعودية والإمارات الدعم المالي والعسكري للأطراف المتحاربة. يحلل عالم السياسية فيديريكو دونيلي، المتخصص في دراسة تأثير هذه الممالك الخليجية في السودان، النتائج المترتبة على تدخلاتها.

كيف انخرطت الإمارات والسعودية في السودان؟

كانت العوامل المحلية هي المحفزات الأساسية لاندلاع الحرب الأهلية في السودان. وصف الصراع في السودان بأنه حرب بالوكالة قد يعادل التقليل من أهمية الديناميكيات الداخلية للبلاد أو تجاهلها.  ومع ذلك، من المهم أيضًا مراعاة التدخل غير المباشر للدول الأخرى. في منطقة القرن الأفريقي، تفاعل السودان بشكل أكبر مع دول الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين. ومن بين هذه الدول، برزت مملكتان خليجيتان هما السعودية والإمارات.

تمتد العلاقات السياسية بين المملكة العربية السعودية والسودان إلى فترة ما قبل حصول السودان على استقلاله عام 1956. بالإضافة إلى ذلك، استمرت الروابط الشعبية بين البلدين في التطور عبر القرون. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى القرب الجغرافي للسودان من المملكة العربية السعودية ومن المدينتين المقدستين في العالم الإسلامي؛ مكة المكرمة والمدينة المنورة.

أما حالة الإمارات العربية المتحدة فهي مختلفة. فمنذ مطلع 2000، وسعت الإمارات نفوذها الاقتصادي والمالي في أفريقيا من خلال الاستثمار في قطاعات خاصة مثل الخدمات اللوجستية للموانئ. ومع تغير التوازنات الإقليمية في أعقاب الربيع العربي أواخر 2010، أصبح السودان بلدًا ذا أهمية استراتيجية للإمارات.

في الفترة بين عامي 2014 و2015، ازداد نفوذ السعودية والإمارات في السياسة السودانية خلال فترة حكم الرئيس عمر البشير. حيث سعت كلتا الملكيتين إلى منع إيران من تعزيز نفوذها في البحر الأحمر واليمن. وفي عام 2015، بعد قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع إيران، قدم السودان مساهمة عسكرية قوامها 10 آلاف جندي في العملية العسكرية التي قادتها السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. شارك في هذه العملية كل من الجيش السوداني والقوات شبه العسكرية، مما أسفر عن إقامة روابط شخصية خلال هذه الفترة.

ومع بداية مرحلة ما بعد البشير في 2019، استمر نفوذ السعودية والإمارات في السودان في الازدياد بفضل هذه الروابط المباشرة. بشكل عام، تسعى كلتا الملكيتين إلى تعزيز مكانتهما على الساحة الدولية. وفي ظل المتغيرات في التوازنات العالمية، يُعتبر السودان بمثابة ساحة لاختبار قدرتهما على التأثير في العمليات السياسية وصياغة الترتيبات السياسية المستقبلية.

بعد عام 2019، رأت الملكيتان أن فترة الانتقال في السودان تمثل فرصة للتأثير على الموقع الإقليمي للسودان، فاختارتا دعم جماعات مختلفة داخل الجهاز الأمني السوداني. هذا الدعم الخارجي زاد من تأجيج التنافس الداخلي.

حافظت الرياض، إلى جانب مصر، على علاقاتها الوثيقة مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بينما تحالفت أبوظبي مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”.

منذ عام 2019، تغيرت العلاقة بين الإمارات والسعودية. خاصة بعد أكثر من عقد من التقارب الاستراتيجي المستمر حول القضايا الإقليمية، بدأت الملكيتان الخليجيتان في الاختلاف حول قضايا مثل الإسلام السياسي. وقد تجلى هذا التباين في سيناريوهات الأزمات المختلفة، بما في ذلك السودان.

على الرغم من أن كلا البلدين دعم بشكل مشترك عملية الانتقال في السودان بعد الإطاحة بالبشير، إلا أن تدهور العلاقات بين حميدتي والبرهان خلق ظروفًا مواتية للصراع بين الملكيتين.

لكن الصراع في السودان لم ينشب بسبب الخلاف بين الإمارات والسعودية. ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة المحلية في السودان كانت على دراية بالدعم الخارجي وشعرت بأنها قادرة على خوض الحرب معتمدة على هذا الدعم. وبعد اندلاع الصراع، ترددت كل من الملكيتين في سحب دعمهما المحلي حتى لا تظهرا ضعيفتين أمام منافسيهما الإقليميين.

لماذا يعد السودان مهمًا لهذه الدول؟

تُظهر أحدث دراسة قمتُ بها بالتعاون مع الخبيرة في العلوم السياسية “أبيغيل كاباندولا” أن كلًا من الإمارات والسعودية قد زادتا تدريجيًا من وجودهما في السودان بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011. إذ أدى سقوط بعض الأنظمة، مثل نظام مصر، إلى إثارة مخاوف هاتين الملكيتين الخليجيتين من احتمال انتقال عدم الاستقرار إلى أراضيهما.

يكشف تحليلنا عاملين رئيسيين يحددان الأهمية الاستراتيجية للسودان بالنسبة للسعودية والإمارات:

  • التغيرات في موازين القوى الإقليمية
  • الأهمية الجيوسياسية للقرن الأفريقي

أدى تحول الولايات المتحدة نحو آسيا – حيث أعادت توجيه مواردها من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ – بالإضافة إلى احتجاجات الربيع العربي، إلى زيادة حالة عدم اليقين بين دول الخليج. وقد أسهم ذلك في إعادة تشكيل ديناميكيات القوى الإقليمية وتشكيل تحالفات متصارعة. ونتيجة لذلك، سعت الإمارات والسعودية إلى تعزيز علاقاتهما مع الدول الأفريقية. وفي السودان، تطورت هذه العلاقة عبر المشاركة العسكرية والسياسية.

تُظهر تحليلاتنا أن اهتمام كلا البلدين بالسودان قد ازداد بين عامي 2012 و2020. ومع ذلك، يكشف بحثنا أيضًا عن بعض الاختلافات الأساسية في تأثيراتهما المتنامية.

في أعقاب الانتفاضات العربية مباشرة، ازداد نفوذ الإمارات في السودان بشكل سريع. وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو المخاوف من احتمالية انتشار الاحتجاجات. وأصبح هذا الأمر ذا أهمية خاصة نظرًا لقرب السودان الجغرافي من مصر.

أما المملكة العربية السعودية، فقد حافظت على نفوذها في السودان بمستوى أكثر استقرارًا من 2010 حتى 2020. وعلى الرغم من أن الرياض كانت قلقة في البداية من انتشار الاحتجاجات، إلا أنها حافظت على تأثيرها بشكل أكثر توازنًا مقارنة بالإمارات.

كانت دولتا الخليج قلقتين من تزايد علاقات عمر البشير مع تركيا وقطر، حيث خشيتا من أن تؤدي هذه العلاقات إلى تعزيز كتلة إسلامية الميول في المنطقة. ومع ذلك، بعد الإطاحة بالبشير في 2019، بدأ نهج السعودية والإمارات تجاه السودان في الاختلاف.

تعتبر المملكتان الخليجيتان السودان دولة محورية بسبب موقعه الجغرافي.

يقع السودان عند نقطة تقاطع منطقتين استراتيجيتين تعانيان من عدم الاستقرار والنزاعات، وهما الساحل والبحر الأحمر. تواجه هذه المناطق تحديات مترابطة مثل عدم الاستقرار السياسي، والفقر، وانعدام الأمن الغذائي، والحروب الأهلية والخارجية. بالإضافة إلى ذلك، تشكل حركات السكان، والجرائم العابرة للحدود، والتهديد من قبل الجماعات الجهادية مخاطر أمنية خطيرة في هذه المناطق.

إلى جانب ذلك، يُمثل السودان نقطة وصل حيوية بين البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا جنوب الصحراء. فهو بمثابة مفترق طرق استراتيجي يؤثر على الديناميكيات الجيواستراتيجية الحالية والمستقبلية في المنطقة.

كما استثمرت الممالك الخليجية، بما في ذلك قطر، بشكل كبير في قطاع الزراعة والغذاء في السودان. تتراوح قيمة هذه الاستثمارات بين 1.5 إلى 2 مليار دولار أمريكي، ويُعد هذا القطاع بالغ الأهمية للأمن الغذائي لدول الخليج. يتمتع السودان بوفرة الموارد المائية ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، مما يجعله وجهة جذابة لشركات الخليج للاستثمار.

ما الذي يمكن توقعه بعد هذه المرحلة؟

على غرار الأزمات في أوكرانيا والشرق الأوسط وجمهورية الكونغو الديمقراطية، يبدو أن حل النزاع في السودان عبر المفاوضات أمر صعب للغاية. هناك عاملان رئيسيان يساهمان في هذه الصعوبة.

الأول: كلا الطرفين يعتقدان أن النصر ممكن فقط من خلال هزيمة الطرف الآخر هزيمة كاملة. هذا المنطق لا يترك مجالًا لحل يحقق مكاسب متبادلة.

الثاني: السياق الدولي الحالي يسمح باستمرار الصراعات. التغيرات في ميزان القوى العالمية توفر فرصًا لدعم الأطراف المتحاربة من الخارج، مما يجعل إيجاد أي حل سلمي أكثر تعقيدًا.

في السودان، هناك الآن سلطتان ومركزا قوة منفصلان. ومن المتوقع أن يزداد هذا الانقسام عمقًا في الفترة المقبلة.

“فيديريكو دونيلي يعمل كأستاذ مساعد في العلاقات الدولية بجامعة ترييستي. كما يشغل منصب باحث أول في معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI) في ميلانو، وباحث زائر في معهد أوريون للسياسات (OPI) في واشنطن العاصمة”

المصدر: https://theconversation.com/middle-eastern-monarchies-in-sudans-war-whats-driving-their-interests-251825

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.