أين أخطأ “حزب الله”؟

أدى انفجار المواد التي وُضعت بداخل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى مقتل وإصابة العديد من كبار قادة حزب الله، وبعد مضي بضعة أيام، تم القضاء على حسن نصر الله وكامل الكادر القيادي للحزب، وهو ما أحدث صدمة كبيرة في المنطقة.
يناير 3, 2025
image_print

قُتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، في هجوم كبير شنته إسرائيل على العاصمة بيروت. نفذت إسرائيل الهجوم باستخدام قنابل مخترقة للتحصينات يمكنها الوصول إلى عمق يتراوح بين 50 إلى 70 مترًا تحت الأرض، وتسببت في مقتل حسن نصر الله في الطابق الرابع عشر من مقر حزب الله تحت الأرض. وكان نصر الله قد نجا من ثلاث محاولات اغتيال خلال حرب إسرائيل-حزب الله في عام 2006، ولكن هذه المرة تم تتبعه وتحديد مكانه ومن ثم قتله وفقا لمعطيات جمعتها الاستخبارات الإسرائيلية على مدار سنوات.

أدى انفجار المواد التي وُضعت بداخل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى مقتل وإصابة العديد من كبار قادة حزب الله، وبعد مضي بضعة أيام، تم القضاء على حسن نصر الله وكامل الكادر القيادي للحزب، وهو ما أحدث صدمة كبيرة في المنطقة.

في الحرب المستمرة ضد حزب الله منذ ما يقرب من أربعين عامًا، لم تتمكن إسرائيل من تحويل الدفة لصالحها إلا في الآونة الأخيرة. فما الذي حدث حتى أصبح حزب الله عاجزًا أمام موجة الهجمات المدمرة والمؤثرة التي شنتها إسرائيل، بعد أن كان يفتخر بقدرته على تفادي الألعاب الاستخباراتية المبالغ فيها لإسرائيل في لبنان؟ وأين ارتكب الخطأ؟

كان حزب الله قد فجر في السنوات الأولى من احتلال إسرائيل للجنوب اللبناني، مقر جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت)، وليس مرة واحدة، بل مرتين.

فما الذي تغير إذن؟

ما تغير هو الدور الذي لعبه حزب الله في الحرب السورية خلال السنوات العشر الماضية!

دخل حزب الله إلى سوريا في عام 2012 لمساعدة نظام الأسد في قمع المعارضة. وبحلول عام 2014، كان حزب الله قد تمركز في كامل المناطق التي يسيطر عليها الأسد. توسع التنظيم بشكل عشوائي وغير منظم مع مشاركة العديد من الميليشيات الشيعية من إيران والعراق وأفغانستان، وهذا التوسع غير المنظم تسبب بطبيعة الحال في خلق ثغرات وضعف داخل بنية الحزب. رأت إسرائيل أن هذا التوسع يمثل فرصة بالنسبة لها، فسارع إلى إدخال العديد من العملاء إلى صفوف حزب الله في سوريا. وبذلك أصبح حزب الله أكثر ضعفا وعجزا، الأمر الذي مهد الطريق للهجمات المدمرة التي وقعت في الأيام الأخيرة.

بعد ثلاث محاولات اغتيال فاشلة لنصر الله عام 2006، غيرت إسرائيل تكتيكاتها مع الفرص الجديدة التي اكتسبتها في الساحة السورية، وانتقلت إلى استخدام تكتيكات جديدة من خلال “الوحدة 8200″، المسؤولة عن عمليات جمع إشارات الاستخبارات، وفك التشفير، فضلا عن شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان).

اضطر حزب الله إلى تبادل المعلومات مع أجهزة الاستخبارات السورية الفاسدة، وإيران وروسيا، مما كشف تحركاته في سوريا. وكانت أجهزة الاستخبارات الروسية والإيرانية تخضع للمراقبة المنتظمة من قبل الأمريكيين. ولا ننسى أيضاً أن الساحة السورية تحولت إلى منطقة تنشط فيها أجهزة الاستخبارات الغربية، وخاصة فرنسا، والاتصال الوثيق لهذه الأجهزة الاستخباراتية بإسرائيل.

كانت رندا سليم، مديرة البرنامج في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تقول إن “سوريا كانت بداية لتوسع حزب الله، وأدى ذلك إلى إضعاف آليات الرقابة الداخلية لديهم وفتح الباب أمام التسلل على مستوى كبير”.

لا شك أن الحرب في سوريا أصبحت مصدرًا مفتوحًا للبيانات بالنسبة لجواسيس إسرائيل والخوارزميات، حيث كانت إعلانات الوفيات أو ما يسمى بـ”ملصقات الشهداء” التي ينظمها حزب الله، مليئة بفتات من المعلومات مثل المدينة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، بجانب الأخبار التي يشاركها أصدقاؤه على وسائل التواصل الاجتماعي. أما الجنازات، فكانت أكثر كشفًا للبيانات؛ فبينما كان حزب الله، التنظيم العميق والمكتوم، يحاول الدفاع عن الأسد في سوريا، كان في الواقع يخرج من بين الظلال ويحول نفسه إلى هدف مكشوف.

كان قادة حزب الله الذين يحضرون مراسم جنازات الميليشيات الشيعية داخل سوريا، يقدمون في الواقع صورًا للطائرات الإسرائيلية المسيّرة، دون أن يدركوا ذلك.

وجاء تركيز إسرائيل المتزايد على حزب الله في المنطقة مصحوباً بميزة تكنولوجية متنامية لا يمكن التغلب عليها في نهاية المطاف: الأقمار الصناعية المتطورة، والطائرات المسيّرة، ومهارات القرصنة الإلكترونية التي حولت الهواتف المحمولة إلى أجهزة للتنصت.

تابعت إسرائيل عن كثب أنشطة حزب الله، لا سيما من خلال قدرات وحدة استخبارات الإشارات وقدرات القرصنة السيبرانية. وتم تقييم المعلومات التي تم جمعها في قاعدة بيانات واسعة تشمل أدق تفاصيل الحياة اليومية لأعضاء التنظيم. وبينما كانت إسرائيل تنسج هذه البيانات بدقة متناهية، كان قادة حزب الله يواصلون روتينهم في الحياة اليومية دون أن يدركوا شيئًا عن ذلك.

أي أن حزب الله دفع ثمن دعمه للأسد في سوريا وارتكابه المجازر ضد الأبرياء بدوافع طائفية، عبر فقدان سرية تنظيمه، والقضاء على كادره القيادي، وتدمير سمعته في العالم الإسلامي.

ويرى مراقبون أن سبب عدم صدور ردة الفعل المتوقعة في العالم الإسلامي، وخاصة من الشعب السوري، ضد الهجمات الإسرائيلية على حزب الله والمجازر في لبنان، يعود إلى الجرائم وعمليات الاغتصابات التي ارتكبها ميليشيات التنظيم وإيران ضد المسلمين السوريين على مدار عشر سنوات، دون تمييز بين الأطفال والنساء والرجال.

Bekir Gündoğdu

بكير غوندوغدو
باحث - كاتب. عمل على مستويات مختلفة في السياسة والمجتمع المدني والإعلام. يواصل العمل حاليًا كمحرر في مجال الإعلام الجديد وناشر على الإنترنت.
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

Yazdır