أفغانستان.. الحزن والأمل والأطفال

أفغانستان... أرض الدمار والولادات الجديدة. إنها المكان الذي نُقش على كل شبر من ترابه رثاء؛ لكنه لا يزال يستيقظ كل صباح على أنشودة مفعمة بالأمل. الباحات التي كانت تملؤها الضحكات والبهجة ذات يوم، تقف الآن منتظرة تحت ظلال الحرب. الدموع تنهمر على الأرض أسرع من القنابل، وآثار الأحلام غير المكتملة تظهر على الأقدام…
27/10/2024
image_print

أفغانستان… تلك الأراضي التي تحجرت في صدرها الآلام والآمال.. الجبال تعلو مثل قصائد شعرية شديدة الانحدار تمتد نحو السماء، وكل قمة هي بيت شعري مليء بالقصص، وكل وادٍ هو لحن حزين. وعندما يغرب الشمس، يكتسي أفق قندهار بتدرجات حمراء بلون الدماء، كما لو أنها تقطر من لوحة رسام شهد ويلات الحرب…

كل مدينة مليئة بأصداء الماضي. كل حجر يهمس من التاريخ على عمود منجم أو في زاوية سوق أو في فناء قصر مهدم. كل نهر، وهو يتدفق فوق كابل، مليء بعلاقات الحب الضائعة والصداقات والنضال الذي لا نهاية له. عيون الأطفال تحمل الأمل والألم في آنٍ واحد؛ إنهم يتطلعون إلى حلم الطمأنينة بنظراتهم المحدقة في الأفق.

أفغانستان… أرض الدمار والولادات الجديدة. إنها المكان الذي نُقش على كل شبر من ترابه رثاء؛ لكنه لا يزال يستيقظ كل صباح على أنشودة مفعمة بالأمل. الباحات التي كانت تملؤها الضحكات والبهجة ذات يوم، تقف الآن منتظرة تحت ظلال الحرب. الدموع تنهمر على الأرض أسرع من القنابل، وآثار الأحلام غير المكتملة تظهر على الأقدام…

أفغانستان، رغم أنها كانت موطنًا لأقدم الحضارات في التاريخ، هي اليوم واحدة من أفقر دول العالم. كانت أفغانستان بلداً متنوعاً سياسياً وثقافياً، لكنها أصبحت على مدار السنوات الماضية دولة يرتبط اسمها بالحروب، والاحتلال، والصراعات الداخلية.

تاريخ أفغانستان هو عبارة عن عملية معقدة شكلتها الاحتلالات والمقاومات والتلاقح بين ثقافات متنوعة. بسبب موقعها الجيوسياسي، أصبحت ساحة صراع بين دول مختلفة، فبالرغم من غنى هذه الأرض الثقافي، إلا أن التحديات التي مرت بها عبر التاريخ جعلتها منطقة بارزة على الساحة الدولية.

إن تاريخ أفغانستان هو عملية معقدة شكلتها الاحتلالات والمقاومات التي اجتمعت فيها ثقافات مختلفة.  تحولت أفغانستان إلى منطقة صراع لمختلف الدول بسبب موقعها الجيوسياسي، وهي منطقة جغرافية تجذب الانتباه بثرائها الثقافي والصعوبات التي مرت بها عبر التاريخ. فقد تعرض عدد لا يحصى من القرى والبلدات لقصف عنيف خلال عمليات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. وعانى المدنيون من التعذيب والاعتقال وسوء المعاملة أثناء عمليات القصف والغارات. وتضررت الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية للكهرباء بشكل كبير أثناء الاشتباكات. وأصبح الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية شبه مستحيل، خاصة في المناطق الريفية. تلقى الاقتصاد الزراعي ضربة قاسية بسبب الحرب. لم يتمكن القرويون من زراعة حقولهم، بينما دمرت العمليات الأمريكية مصادر رزق المزارعين وعمقت الاضطرابات الاقتصادية. وقد فرّ حوالي 2.5 مليون أفغاني إلى باكستان وإيران وبلدان أخرى كلاجئين، بحثًا عن ملجأ في مناطق آمنة. وبسبب موجات الهجرة المستمرة، نمت المدن بشكل عشوائي وغير مخطط له. في المدن الكبيرة مثل كابل، كانت البنية التحتية والخدمات العامة غير كافية، مما أدى إلى زيادة الفقر والبطالة. تركت سنوات الصراع والعنف الذي طال المدنيين والنزوح المجتمع الأفغاني في حالة من الصدمة على نطاق واسع. وقد نشأ الأطفال والشباب على الحرب كجزء من حياتهم.

شهدت زراعة نبات الخشخاش وإنتاج المخدرات زيادة كبيرة بسبب الفقر الناجم عن الحرب. وأصبحت أفغانستان مركزا عالميا لإنتاج للهيروين.

انخرطت الولايات المتحدة في العديد من الأنشطة العسكرية في أفغانستان لسنوات طويلة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى الرغم من انسحابها من المنطقة في عام 2021، إلا أن سياساتها لا تزال مستمرة بطرق غير مباشرة. واليوم، تواصل الولايات المتحدة ممارسة الضغوط الدبلوماسية على حكومة طالبان، وسط محاولات لعرقلة الاعتراف الدولي بها.

تدهورت حالة الأطفال في أفغانستان بصورة خطيرة في السنوات الأخيرة بسبب الحرب وعدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية والكوارث الطبيعية. ويواجه الأطفال العديد من المشاكل في الحصول على الحقوق الأساسية مثل التعليم والصحة والتغذية والأمن، حيث لم تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية خلال 20 عاماً من الاحتلال أي إجراء مفيد لصالح النساء والأطفال. ومات العديد من الأطفال بسبب سوء التغذية وحرموا من التعليم.

وبسبب سنوات الصراع الطويلة وعدم الاستقرار السياسي في أفغانستان، كان الأطفال هم الفئة الأكثر تضررًا من الهجمات، حتى وإن لم يكونوا مستهدفين بشكل مباشر. وتعتبر الهجمات على المدارس أبرز أشكال العنف في المنطقة لأنها تستهدف الأطفال بشكل مباشر.  وتشكل الألغام والقنابل غير المنفجرة، التي هي إرث للصراعات، خطراً كبيراً على الأطفال. فقد ما يقرب من 30 ألف طفل حياتهم نتيجة الغارات الجوية والهجمات بالقنابل على التجمّعات السكنية خلال الاشتباكات. وفي عام 2021، دُمرت العديد من العائلات جراء الغارة الجوية الأمريكية على كابل. وبسبب الاحتلال، اضطر ملايين الأطفال الأفغان إلى الهجرة مع عائلاتهم إلى البلدان المجاورة أو إلى مناطق مختلفة داخل البلاد.

الأطفال يواجهون الحالة النفسية الناجمة عن الصراعات والعنف المستمر. ففقدانهم لأسرهم وتركهم لمنازلهم ونشأتهم في بيئة مليئة بالعنف يسبب جروحاً نفسية عميقة لدى الأطفال. ويصارع العديد من الأطفال الأمراض النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والقلق والاكتئاب. ولا يتم تنفيذ الإجراءات اللازمة لضمان حقوق الأطفال في التعليم والصحة والسلامة بشكل كافٍ. كما أن هناك مشاكل خطيرة في الحصول على التغذية والخدمات الصحية للأطفال في المنطقة. بعد الاحتلال، قامت العديد من المؤسسات والمنظمات المدنية بتطوير مشاريع لدعم الأطفال الأفغان، لكن هذه المشاريع تعطلت بسبب الصراعات.

في حرب سوريا، اختفى حوالي 150 ألف طفل في أوروبا. واليوم، يواجه الأطفال الأفغان نفس الخطر. فوفقًا للتقديرات، لقي حوالي 243 ألف شخص حتفهم جراء الهجمات خلال فترة الاحتلال، بينهم أكثر من 71 ألف مدني، و66 ألفًا من أفراد القوات الأفغانية. هذه الأرقام ارتفعت لاحقا بسبب التأثيرات غير المباشرة التي خلفتها الحرب.

عصمت وعفيفة؛ شقيقان أفغانيان فقدا والديهما. كان هذان الشقيقان اللذان يبلغان من العمر 3 و4 سنوات يلعبان مع أقاربهما في أحد الأيام عندما سقط صاروخ على والديهما وقتلاهما. وُضع عصمت وعفيفة، بعد فقدانهما لوالديهما، في دار أيتام علاء الدين في العاصمة كابل، التي تحظى بمساعدات كبيرة من وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا). عائشة البالغة من العمر 4 سنوات هي واحدة منهم. وتولى الأطفال الأكبر سنًا منهما في دار الأيتام رعايتهما لأنهما كانا صغيرين جدًا. ووفقًا للعاملين في دار الأيتام، هناك أطفال لا تتجاوز أعمارهم سنة أو سنتين. معظم الأطفال المقيمين هنا فقدوا أسرهم بالكامل. سوف يعرف عصمت وعفيفة ما حدث لأسرتهما عندما يكبران. الآن يعتقدان أنها في مكان بعيد. إنهما لا يعرفان الموت… ومع ذلك، فإن نظراتهما مليئة بالحزن… حتى عندما يبتهجان ويضحكان، هناك حزن مخفي في عيونهما. هل كل ذلك هو القدر الإجباري لعصمت وعفيفة وعائشة وكل الأطفال الذين شهدوا الظلم والاضطهاد هناك؟ العالم صامت… 

وكما يقول خالد حسيني في كتابه عداء الطائرات الورقية؛ “هناك كثير من الأطفال في أفغانستان لكن قليل من الطفولة”. أليس الأمر نفسه ينطبق على العالم؟ هناك أناس كثر، ولكن لا توجد “إنسانية”.

Sevranur Yetkin

سورانور يتكين
باحثة، وكاتبة، وموسيقية. نُشرت لها مقالات في مجلات (haber10) و(ezcümle) و(yaran). ولا تزال تواصل أعمالها في الكتابة والموسيقى. وهي متزوجة ولديها طفل واحد.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.