الإسلام يضعف في إيران

لطالما تم تصنيف إيران على أنها جمهورية إسلامية — سياسيًا وديموغرافيًا — مع إحصاءات رسمية تدّعي أن أكثر من 98 بالمئة من سكانها يعتنقون الإسلام. ومع ذلك، تحت هذا السطح، يكمن تحوّل كبير. فبعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الثيوقراطي، قد لا تكون إيران بعد اليوم "مجتمعًا ذا أغلبية إسلامية" من حيث الروح أو المعتقد أو الهوية — رغم ما تشير إليه الأرقام.
16/09/2025
image_print

لطالما تم تصنيف إيران على أنها جمهورية إسلامية — سياسيًا وديموغرافيًا — مع إحصاءات رسمية تدّعي أن أكثر من 98 بالمئة من سكانها يعتنقون الإسلام. ومع ذلك، تحت هذا السطح، يكمن تحوّل كبير. فبعد أكثر من أربعة عقود من الحكم الثيوقراطي، قد لا تكون إيران بعد اليوم “مجتمعًا ذا أغلبية إسلامية” من حيث الروح أو المعتقد أو الهوية — رغم ما تشير إليه الأرقام.

الخيبة بعد الثورة

عندما عاد آية الله الخميني عام 1979، كان كثيرون يعتقدون أن الحكم الإسلامي سيحقق العدالة والنزاهة الأخلاقية والتحرر من الهيمنة الغربية. لكن بدلاً من ذلك، واجه الإيرانيون ثيوقراطية صارمة ركزت السلطة في أيدي رجال دين غير منتخبين، وقمعت الحريات المدنية، وجعلت من الدين أداة قمع.

على مدى عقود، فُرضت الممارسات الدينية — مثل الحجاب الإجباري، والصلوات المفروضة، والفصل بين الجنسين — من خلال الإكراه والمراقبة والعقاب. لم يكن النظام مصدر إلهام للتقوى، بل زرع الاستياء.

جيل جديد: يرفض الدين كأداة للسيطرة بيد الدولة

لا يظهر هذا الشعور في أي مكان أكثر وضوحًا من بين أولئك الذين وُلدوا بعد الثورة. بالنسبة لكثير من الشباب الإيرانيين، أصبح الإسلام مرادفًا للرقابة، والانهيار الاقتصادي، والقمع — لا للروحانية. لم يعد طريقًا إلى المعنى، بل آلية للهيمنة.

دحض خرافة “98 بالمئة مسلمون”

الإحصاءات الرسمية في إيران لا تعكس الانتماء الديني الطوعي. فإعلان “عدم التدين” أمر خطير، حيث إن الردة قد تُعاقب بالسجن أو حتى بالإعدام. في الواقع، لا يتم اختيار الإسلام بل يُورث: فكل طفل يولد لأبوين مسلمين يُعتبر تلقائيًا مسلمًا، ولا يملك الحق القانوني في تغيير دينه. التخلي عن الإسلام أو اعتناق دين آخر يُعد جريمة. ونتيجة لذلك، فإن ملايين الإيرانيين الذين لم يعودوا يؤمنون بالإسلام لا يزالون يُصنّفون رسميًا كمسلمين. وغالبًا ما تكرر الجامعات والمؤسسات الغربية هذا الادعاء الرسمي بأن 98 بالمئة من الإيرانيين مسلمون، لكن هذه النسبة مضللة ولا تعكس عملية العلمنة العميقة التي تحدث داخل المجتمع الإيراني.

لكن الأبحاث المستقلة ترسم صورة مختلفة. ففي عام 2020، أجرى معهد “غامان” (Gamaan) استطلاعًا مجهولًا للرأي شمل أكثر من 50,000 إيراني، وجاءت نتائجه كما يلي:

32 بالمئة عرّفوا أنفسهم كمسلمين شيعة

9 بالمئة كمسلمين سنة

قرابة 50 بالمئة عرّفوا أنفسهم كغير متدينين أو فقدوا إيمانهم الديني

أكثر من 70 بالمئة عارضوا القوانين الدينية، بما في ذلك الحجاب الإجباري

تشير هذه النتائج إلى تحوّل عميق: مجتمع يتحول نحو طابع ما بعد إسلامي — حتى وإن ظل نظامه الحاكم ثيوقراطيًا.

الإيمان القسري إيمانٌ أجوف

الإيمان الحقيقي يجب أن يكون نابعًا من حرية الاختيار. فالإيمان المفروض بالخوف ليس إيمانًا — بل خضوع.

من خلال تداخل الدين مع الحكم الاستبدادي، فرّغت الجمهورية الإسلامية الإسلام من مضمونه. فالمساجد غالبًا ما تكون خالية، والنساء الشابات يحرقن حجابهن علنًا، وفن الشارع يسخر من الرموز الدينية. أما شعارات الاحتجاج مثل “لا نريد جمهورية إسلامية!” أو “يا رجال الدين، ارحلوا!” فهي ليست أصوات أغلبية متدينة — بل صوت شعب رفض الدين باعتباره طغيانًا.

انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”: تحوّل ثقافي في النموذج الفكري

مثّلت حركة “المرأة، الحياة، الحرية” (2022–2023) قطيعة ثقافية زلزالية. فخروج النساء الإيرانيات عن قوانين الحجاب ومواجهة الشباب للشرطة الدينية لم يكن مجرد تحدٍ للنظام — بل تمردًا روحيًا جماعيًا.

إيران تقود اليوم عملية العلمنة من داخل العالم الإسلامي — ليس بفعل التأثير الغربي، بل لأن الإيرانيين عاشوا تحت حكم الإسلام السياسي وقرروا رفضه.

لذلك، وبينما لا يزال النظام يحكم تحت راية الإسلام، فإن المجتمع قد أسقط تلك الراية.

إيران لم تعد ذات أغلبية إسلامية من الناحية الروحية

قد تستمر التسميات الرسمية، لكنها لم تعد تعكس الواقع الروحي لإيران. لقد سعى النظام إلى فرض مجتمع إسلامي — لكن هذا الفرض أنتج أحد أكثر المجتمعات علمنةً في المنطقة.

مفارقة الجمهورية الإسلامية هي التالية: في محاولتها فرض الإسلام، قد تكون قد خلقت أول مجتمع ما بعد إسلامي في العالم الإسلامي.

الدكتورة فريبا پارسا حاصلة على دكتوراه في العلوم الاجتماعية، ومتخصصة في السياسة الإيرانية مع تركيزها على الإسلام السياسي والديمقراطية وحقوق الإنسان. وهي مؤلفة كتاب النضال من أجل التغيير في إيران: فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” ضد الإسلام السياسي. كما أنها مؤسسة ورئيسة منظمة “التعلم الإلكتروني للقيادة النسائية” (WELL)، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تمكين النساء في إيران وأفغانستان من خلال التعليم والتدريب القيادي عبر الإنترنت.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.