قبل عدة أيام أدلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتصريحات مثيرة للغاية حول التطورات في قطاع غزة، وتظهر أن ترمب يتبنى مواقف نتنياهو على مستوى الخطاب على الأقل، ومع أن الجمل التي تحدث بها ترمب كانت قصيرة إلا أننا يمكن أن نستخرج منها بضعة دروس ونقف على كثير من المعاني.
أولا، قال ترمب أن الرهائن الإسرائيليين سيكونون في أمان إذا دخل الجيش الإسرائيلي إلى غزة مشيرا أن التدخل العسكري هو السبيل الوحيد لضمان سلامتهم، وعند النظر في هذه النقطة بشكل عميق نجد أن ترمب يحاول جعل الكفة تميل لصالح نتنياهو في الخلاف بين المستوى العسكري والسياسي في داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي حول جدوى عملية عسكرية في غزة.
وبما أن سلامة الرهائن الإسرائيليين هي أحد التحديات الأبرز لعملية عسكرية واسعة في مدينة غزة أمرت بها الحكومة الإسرائيلية فقد حصل جدل كبير في دولة الاحتلال الإسرائيلي حول هذه النقطة. ويبدو أن من حول الرئيس الأميركي من الذين لهم اتصال بنتنياهو قد رأوا أن تصريح ترمب حول هذا الموضوع قد يقدم خدمة كبيرة لنتنياهو لحسم فكرة العملية العسكرية في غزة. إن دعم ترمب ولو كلاميا لمثل هذه العملية يخدم نتنياهو في الخلاف الداخلي وفي الرؤية حول مستقبل الحرب.
لم يكن دعم ترمب لنتنياهو في ملف داخلي في دولة الاحتلال الإسرائيلي أمرا جديدا فقد سبق أن قام ترمب بدعم نتنياهو فيما يتعلق بمحاكمة نتنياهو بقضية الفساد حين دعا ترمب لإلغاء محاكمة نتنياهو بتهم فساد، وقد وصف ترمب نتنياهو بالمحارب وقال أنه “يجب إلغاء محاكمة نتنياهو على الفور أو منح العفو لبطل عظيم فعل الكثير من أجل الدولة”. وقال أن الولايات المتحدة أنقذت اسرائيل وأنها ستنقذ نتنياهو وأنه لن يسمح بهذه المهزلة.
وبالفعل بعد تصريحات ترمب، أكد نتنياهو أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لن توقف العملية العسكرية في قطاع غزة، وهو ما يؤكد استناد نتنياهو إلى دعم ترمب في مواصلة عدوانه على غزة.
وفي تحد أكبر لم يناقش اجتماع مجلس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي الأخير صفقة الرهائن في الوقت الذي قدم فيه الوسطاء مقترحا لذلك.
ثانيا ناقض ترمب نفسه عندما قال أنه نجح سابقا في إعادة عدد من الأسرى المحتجزين في غزة بفضل تعاونه المباشر مع نتنياهو ومع ويتكوف وقال أنه “لولاه لكان الرهائن في غزة قد قتلوا”. وهنا تجدر الإشارة أن هؤلاء الأسرى الذين عادوا قد عادوا بصفقة تبادل مع حركة حماس وليس من خلال عملية عسكرية.
إن المغالطة الثالثة التي ذكرها ترمب والتي تؤكد أن ترمب يردد ما يتبناه نتنياهو، هو أن ترمب قال أن ليس كل عائلات الرهائن الإسرائيليين تعارض احتلال غزة، معتبرا أن هناك دعما ضمنيا للسياسات العسكرية، وتأتي هذه التصريحات من ترمب في الوقت الذي تقود فيه عائلات الأسرى الإسرائيليين احتجاجات كبيرة في دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد سياسات نتنياهو وضد اللجوء لخيار العملية العسكرية في غزة في الوقت الذي وافقت فيه حركة حماس على مقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار.
بدلا من الضغط على نتنياهو اختار ترمب التغطية على مماطلة نتنياهو ورفضه الذهاب لوقف إطلاق النار، علما أن كل المتابعين يعلمون أن نتنياهو هو الذي يعطل الوصول لوقف إطلاق النار، كما اختار ترمب أن يتبنى سردية نتنياهو حتى في الخلاف بين المستوى السياسي والعسكري في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لقد قام نتنياهو بإعاقة التوصل لوقف إطلاق النار في 5 فرص. وفي الوقت الذي تزداد الحاجة فيه إلى الضغط الأميركي لوقف إطلاق النار وإلى تدخل الإدارة الأميركية لوقف العدوان الإسرائيلي ولوقف المجاعة الجارية في غزة والمستمرة منذ 22 شهرا لم يقم الرئيس الأميريكي بهذا الدور.
لقد قال ترمب أن الحرب في غزة قد تنتهي خلال الأسابيع القليلة المقبلة من دون أي يوضح أي تفاصيل، وهنا فإن الحقيقة أن انتهاء الحرب قد يكون بعد لحظات من قرار ترمب الضغط على نتنياهو من أجل إيقاف الحرب.
هناك عدة عوامل تجعل ترمب يتبنى مواقف نتنياهو ويدعمها بشكل مستمر في كثير من الأحيان وحتى عندما يكون مختلفا مع نتنياهو فهو يحرص على التغطية على هذا الخلاف ويقدم دعما علنيا لنتنياهو. من أهم هذه العوامل هي الروابط الأيديولوجية المشتركة بين نتنياهو ومؤيديه واليمين الصهيوني الذي يقوده نتنياهو حاليا.
ومن جهة أخرى فإن اليهود والصهاينة الذي يتحكمون في العديد من مراكز القوى التي تؤثر في مكانة ترمب وأولئك الذين يعملون في طواقم الإدارة الأميركية يشكلون معا شبكات تأثير تدفع باتجاه تبني مواقف اليمين الصهيوني بشكل متواصل. ومن أمثلة هؤلاء جاريد كوشنر، صهر ترمب و السفير الأميركي في تل أبيب مايك هاكابي وغيرهم.
أما العامل الآخر فهو مرتبط بالمصالح وخاصة فيما يتعلق بالحسابات الانتخابية لترمب والتي تعتمد على قواعد الناخبين المحافظين من جهة واليهود الأميركان. ومن زاوية أخرى وعلى المستوى الإقليمي يعتقد ترمب أن إسرائيل هي الحليف الأهم وأن سياسات اليمين الصهيوني تخدم رؤيته في منطقة الشرق الأوسط وتسهم في إعادة هندسة الشرق الأوسط لصالح تثبيت النفوذ الأميركي.
إن تبني ترمب لمواقف نتنياهو هو تغطية على جرائم حرب وهو أمر يضعف مصداقية الولايات المتحدة، ويمنع فرص الاستقرار ويفتح الباب أمام المزيد من العنف وظهور المزيد من الأزمات التي تهدد الأمن الإقليمي في المجالات الإقليمية والدولية.
خلال كتابة هذه السطور صدر بيان عن أعضاء مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، باستثناء الولايات المتحدة، وقد أكد البيان إن المجاعة في غزة “أزمة من صنع البشر”، وحذر من أن استخدام التجويع سلاحا في الحرب محظور بموجب القانون الدولي الإنساني. ودعا أعضاء المجلس، وعددهم 14، في بيان مشترك إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج عن جميع المحتجزين، وزيادة المساعدات بشكل كبير في أنحاء القطاع، ورفع إسرائيل فورا ومن دون شروط جميع القيود المفروضة على إيصال المساعدات. وفي هذا السياق فإن رفض واشنطن المشاركة في هذا البيان يؤكد أنها شريكة مع الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية وفي حرب التجويع.
المصدر: تلفزيون سوريا