الصهيونية أو الشيعية؛ أيهما أكثر شيطانية؟

يجب ألا ينسَ أولئك الذين يهتفون فرحا للصواريخ التي تطلق نحو تل أبيب؛ بين أصدقاء غزة وإخوتها، هناك الكثير من أصحاب الضمائر الحية من مختلف الأديان والأعراق، مثل الأيرلنديين، والاسكتلنديين، والأمريكيين الجنوبيين، وحتى الكوريين الجنوبيين... لكن بالتأكيد لن يكون هناك من قتلوا المسلمين تحت التعذيب في دمشق وحلب وكل المدن السورية، ولا الصهاينة الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في فلسطين. لن يكونوا أبدًا بينهم!
23/06/2025
image_print

قبل أسابيع من الثورة السورية، كان يوسف، والد خمسة أطفال من حلب، يعمل معي في نفس المكان. ذلك الصباح كانت عيناه رطبتين، وكان يحاول إخفاء ذلك بعناية. لكن الغضب الذي تراكم على وجهه كان أكثر وضوحًا من الدموع في عينيه. عندما سألته: “ما بك؟”، حاول أن يعبر عن غضبه وحزنه بأفضل ما يستطيع. في ذلك الصباح، استولى على منزله وسيارته في حلب بعض الأشخاص الذين يتحدثون الفارسية، وكان المنزل تحت رعاية أخيه. استغربت وقلت له: “من هؤلاء؟ كيف يدخلون منزلاً ما زال فيه سكان ويستولون عليه؟”. كان يوسف قد ترك أرضه ومنزله قبل سنوات وجاء إلى تركيا فقط لكي يؤمن معيشة أطفاله. كان يحكي لنا في كل فرصة عن بلده، منزله، ومحل عمله الذي تم تدميره. كل ما أراده هو العودة إلى مسقط رأسه بعد انتهاء الحرب. لكن ما حدث ذلك الصباح آلمه وأزعجه كثيرا. كان يبكي ويقول بكلمات تركية محدودة: “الشيعة يقتلوننا، ليس الأسد وحده، بل إيران هي أكثر من يقتلنا”.

في تلك اللحظة، قلت لنفسي: “لحظة؛ هذه القصة مألوفة جدًا لي”. قبل سنوات، سمعت نفس الكلام من الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في لبنان، وغزة، والضفة الغربية، والقدس. المستوطنون الصهاينة أيضًا يدخلون منازل الفلسطينيين بسهولة ويستولون عليها، وعندما يقتلونهم، لا يحاسبهم أحد.

بينما كان يوسف يتحدث، نقلتني ذاكرتي إلى قصة أخرى مؤلمة سمعتها بشكل خاص. كنت في مخيم برج البراجنة، أحد أكثر المخيمات ازدحامًا في بيروت، على غرار صبرا وشاتيلا، حيث يعيش عشرات الآلاف من الفلسطينيين. كانت المخيمات الفلسطينية تستضيف أيضًا مئات اللاجئين السوريين الذين فروا من الحرب. هناك، قابلت السيدة أم عزيز، إحدى أقدم وأكثر النساء حزنًا في المخيم. كانت عيناها قد تعبتا من البكاء. فقد اختُطف خمسة من أبنائها، أصغرهم كان يبلغ 13 عامًا، في مذبحة صبرا وشاتيلا ذات صباح. كانت المرأة العجوز ما تزال تؤمن بأن أبناءها أحياء وسيعودون يومًا ما.

قالت لي: “أخذوا شاحنات مليئة بالناس… بعضهم نُقل إلى إسرائيل، وبعضهم ترك في لبنان، والبعض الآخر سُلّم إلى سوريا. هناك الكثير من الفلسطينيين في سجون سوريا… رئيس سوريا لا يسمح لأحد بالتواصل معهم ولا يطلق سراحهم. دائمًا أقول: الله هو ناصر من لا ناصر له”.

خمنوا من كان على رأس سوريا في عام 1982، عندما وقعت هذه المذبحة، وسُلّم فيها بعض الفلسطينيين إلى سوريا ولم يُسمع عنهم شيء بعد ذلك؟

“والد الديكتاتور المخلوع بشار الأسد، والذي كان ديكتاتورا أيضا؛ حافظ الأسد”. هل نسي أحد مذبحة حماة عام 1982، حيث قتل حافظ الأسد أكثر من 25 ألف مسلم سني سوري بوحشية؟

سمعت كثيرًا من السوريين الذين عانوا من هذه الآلام يقولون: “هؤلاء شياطين أكبر من إسرائيل”.

ثم جاء الشيعة الإيرانيون لاحقًا، وتحالفوا مع مجرمي الأسد، وقتلوا مئات الآلاف من الناس منذ عام 2011. استولوا على منازل المسلمين وممتلكاتهم. التقطوا صورًا وهم يضحكون فوق جثث السوريين. تمامًا مثل الصهاينة… الأسلوب نفسه، والهدف نفسه. إن لم يكن في الأمر مشقّة لكم، اسألوا مواطنا سورياً عن إيران، وإذا لم تتكاسلوا، فاسألوا أيضاً مواطنا فلسطينياً قضى 20 عاماً داخل سجن فرع فلسطين في سوريا. ثم قرروا أيهما أكثر براعة في الوحشية والظلم والشر. أحدهما جعل عِرقه دينًا، والآخر جعل مذهبه دينًا. كلا الدولتين الدينيتين غمرتا المنطقة بالدماء من أجل مشاريعهما التوسعية، وشيطنتا كل من حولهما، وارتكبتا مذابح وحشية، ثم مارستا حملات دعائية لتبرير أفعالهما. كلاهما يؤمن بحرب القيامة، ويحاولان تحريض مجيء المسيح أو المهدي. كلاهما يمتلكان لاهوتًا مفيدًا لسياسة “فرّق تسد” المفضلة لدى الغرب، وكلاهما ارتبطا تاريخيًا بالفتنة والفساد. كلاهما شاركا مع الولايات المتحدة في غزو أفغانستان والعراق، وفي أكذوبة معبد/هيكل سليمان وأكذوبة محور المقاومة، وفي سباق احتلال المنطقة وقتل سكانها الأصليين تحت ذريعة “تحرير القدس”.

السؤال الرئيسي الآن ليس “أيهما الشيطان؟”، وإنما يجب أن يكون “أيهما أكثر شيطانية؟”، وأيهما سفك دماء المسلمين أكثر؟ وأيهما كذب أكثر؟ وأيهما أكثر قسوة؟

أنا مندهشة ممن يشاهدون صواريخ تُطلق على تل أبيب ويهللون لها بينما غزة تُدمر. موت بضعة يهود أو إيرانيين لا يعني الكثير لأي من الجانبين… لقد تقبلوا هذه التكلفة الصغيرة للمسرحية. بينما تمطر الصواريخ تل أبيب، يُقتل مئة شخص من سكان غزة على الأقل كل يوم… الإبادة الجماعية مستمرة بكامل زخمها.

لا يمكن للشيعة أن يبرروا أفعالهم وأن يتظاهروا بأنهم أبرياء بهدم بعض المباني الفارغة أو قتل بضعة أشخاص باسم المصلحة الوطنية…

ليس النظام الشيعي وحده بالطبع، بل إن أيادي كثير من الإيرانيين الهاربين من النظام — أولئك اليساريين جداً، والمتحضّرين جداً، والليبراليين جداً — ملطخة بالدماء المسلمين أيضاً. هل سمعتم أيًا من المعارضين الإيرانيين، الذين لا يملكون سوى شعارات تدعي أن الحرية يمكن نيلها بمجرد كشف الرأس والساقين، يتحدثون عن آلام مئات الآلاف من السوريين الذين قُتلوا؟ تعاطف الأوروبيين الذين يحبون هذه الهموم لدى الإيرانيين قد يبدو لطيفا بالطبع، لكننا سجلنا صمتهم أيضًا… كما لم ننسَ أصوات اليهود المعارضين وأصحاب الضمائر الحية الذين يتحدون الصهيونية والإبادة الجماعية…

التقيت بإسماعيل هنية، الذي استُشهد في إيران، داخل منزله المتواضع في مخيم للاجئين في غزة عام 2014. في نهاية الحديث معه، قال لي: “غزة بحاجة إلى أصدقاء. القدس خاصة بحاجة إلى أبناء الأمة الإسلامية”.

يجب ألا ينسَ أولئك الذين يهتفون فرحا للصواريخ التي تطلق نحو تل أبيب؛ بين أصدقاء غزة وإخوتها، هناك الكثير من أصحاب الضمائر الحية من مختلف الأديان والأعراق، مثل الأيرلنديين، والاسكتلنديين، والأمريكيين الجنوبيين، وحتى الكوريين الجنوبيين… لكن بالتأكيد لن يكون هناك من قتلوا المسلمين تحت التعذيب في دمشق وحلب وكل المدن السورية، ولا الصهاينة الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية في فلسطين. لن يكونوا أبدًا بينهم!

الشيطان العالمي الآري الأكبر، على الأرجح، سيقول للشيطانين الصغيرين بعد أن يُنهكا: “توقفا، أنتما إخوة، هيا تصالحا”، ثم سيربطهما ببابه.

سوف تتساءلون كيف يمكنني معرفة ذلك؛ لأن كل شيء يبدو أكثر وضوحًا من عيني طفل فلسطيني في غزة قُطع ذراعه وساقه، ومن عيني امرأة سورية تعرضت للاغتصاب في سجن صيدنايا، ثم وُلد طفلها الذي تعرض بدوره للاغتصاب عندما كبر. من لا يستطيع النظر إلى كليهما، سينحاز إلى أحد الجانبين بعينٍ حَوْلاء.

موقنا وطرفنا واضح؛ نحن نقف دائما ضد كل الظالمين، وبجانب المظلومين فقط.

Meliha Çelik

مليحة تشيليك
خريجة قسم الصحافة من جامعة سلجوق. عملت لسنوات طويلة كمحررة ومذيعة ومراسلة في قنوات تلفزيونية محلية ووطنية، وكمساعدة في إخراج العديد من البرامج الوثائقية التي بثت على قناة "TRT". وأخيرا، تولت تقديم وإخراج برنامج "كرفان الصداقة" لصالح "TRT". وفي عام 2021، ألفت كتابا بعنوان "رحلة إلى بلد الحكايات: الأندلس".
البريد الإلكتروني: [email protected]

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.