التعاون المعلن مقابل المنافسة الخفية: السياسات المعادية للإسلام في الهند وخطوة تركيا في جنوب آسيا
عند النظر إلى الدول التي تفاعلت معها تركيا في سياق العلاقات الدولية من النواحي التاريخية والثقافية والدينية، تبرز عادةً مناطق الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز الواقعة في جوارها الجغرافي القريب. ولكن مع تأثير العولمة وتوزيع السكان المسلمين حول العالم، اكتسبت دول مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان – التي تبعد جغرافيًا عن تركيا ولكن يمكن بناء علاقات وثيقة معها تاريخيًا ودينيًا – أهمية متزايدة.
من ناحية أخرى، فإن تصاعد الخطاب الحاد للهند – التي تجاوزت الصين في عام 2023 لتصبح الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم – تجاه باكستان مؤخرًا، وإجراءاتها الفعلية مثل قرار تعليق اتفاقية مياه السند من جانب واحد، لا تزيد فقط من التوتر الإقليمي بسرعة، بل تهدد أيضًا الاستقرار السياسي في جنوب آسيا وكذلك السلام والأمن الدوليين. هذا التطور يسلط الضوء مرة أخرى على الأهمية الاستراتيجية للتعاون متعدد الأوجه الذي يمكن أن تقيمه تركيا مع هذه الدول الثلاث.
أولاً، كانت دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا، بالإضافة إلى باكستان، على تفاعل بدرجات مختلفة مع العالم التركي منذ العهد العثماني. على سبيل المثال، في القرن السادس عشر، طلبت سلطنة آتشيه (الموجودة اليوم في منطقة جزيرة سومطرة بإندونيسيا) دعمًا عسكريًا وتقنيًا من الدولة العثمانية لمواجهة الهجمات البرتغالية. وبالمثل، شعرت مناطق البنغال والسند في جنوب آسيا بدرجة ما بالتأثير الثقافي والسياسي العثماني. واستمر التبادل الثقافي مع السلطنات المحلية في ماليزيا وإندونيسيا عبر القرون المختلفة بفضل رحلات الحج، والتجارة البحرية، والروابط الدينية.
وعند النظر إلى الجانب الباكستاني، نجد أن اهتمام “مسلمي شبه القارة الهندية” التاريخي بالعثمانيين، وحركة الخلافة التي برزت في القرن التاسع عشر، وضعت أسس الصداقة التركية الباكستانية. وبعد حصول باكستان على استقلالها عام 1947، استمرت هذه الصداقة، خاصة على المنصات الدولية، في شكل دعم سياسي وتضامن. ويجب التذكير بأن لتركيا أيضًا مساهمة إيجابية في عمليات الاعتراف الدبلوماسي بباكستان بعد الاستقلال. في المقابل، فإن السياسات الأمنية الصارمة التي تنتهجها الهند منذ استقلالها فيما يتعلق بقضية كشمير، والتعديلات الأخيرة على قانون الجنسية من قبل حكومة حزب الشعب الهندي (BJP)، و”عدالة البلدوزر”، وتكريس خطاب الكراهية، والممارسات التمييزية المنهجية ضد الأقلية المسلمة، أثارت ردود فعل في العالم الإسلامي، بما في ذلك تركيا، وأظهرت مرة أخرى ضرورة تعزيز التضامن الاستراتيجي بين محور باكستان وتركيا.
لكن هذه الدول لا تقع في الجوار الجغرافي القريب لتركيا. فتركيا، انسجامًا مع متطلبات كونها قوة إقليمية، تعطي الأولوية للحفاظ على وجودها ونفوذها في المناطق المجاورة أو القريبة مثل الشرق الأوسط وشرق المتوسط والبلقان والقوقاز. وبالتالي، فإن التحرك بشكل مشترك مع هذه الدول في الأزمات الإقليمية أو التطورات الجيوسياسية ليس دائمًا سهلًا على المستوى العملي.
أما باكستان، فعلى الرغم من كونها أقرب نسبيًا إلى الشرق الأوسط من وجهة النظر التركية، إلا أنها تختلف من حيث الديناميكيات الجيوسياسية بسبب ظروفها الجغرافية والعوامل الإقليمية المحيطة بها مثل الهند وأفغانستان وإيران. على سبيل المثال، لا توجد أي صلة تذكر بين سياسة تركيا في مجال الطاقة في شرق المتوسط أو نفوذها في سوريا وبين الديناميكيات الإقليمية لباكستان. وبالمثل، فإن أولويات باكستان مثل قضية كشمير وعلاقاتها مع الهند والمشكلات الأمنية الناجمة عن أفغانستان تظل بعيدة عن أجندة تركيا.
ومع ذلك، فإن قيام الهند مؤخرًا بتنفيذ عمليات تستهدف المدنيين في كشمير وتحويل تقاسم المياه إلى أداة ضغط ضد باكستان، قد أظهر لنا أن الأزمات في جنوب آسيا التي تبدو “بعيدة” يمكن أن تؤثر بشكل غير مباشر على استقرار الشرق الأوسط – شرق المتوسط. ولهذا السبب، فإن الحوار الأمني التركي الباكستاني لم يعد يكتسب بعدًا حاسمًا فقط في السياق الثنائي، ولكن أيضًا من حيث إدارة المخاطر الناشئة عن الهند.
من الواضح اليوم، في ظل ما وصلت إليه العولمة، أن هناك العديد من القضايا العالمية التي تتجاوز حدود الدول والمناطق. فقضايا مثل التنمية الاقتصادية، وتغير المناخ، وحركات الهجرة، والأمن الطاقة، والأوبئة، والتمثيل في المنظمات الدولية، تدفع الدول إلى السعي بشكل متزايد نحو العمل الجماعي. وتستطيع دول مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان، التي يشكل المسلمون غالبية سكانها وتتمتع بمكانة إقليمية مؤثرة، التحرك بشكل مشترك في هذه القضايا بما يتماشى مع مصالح مجتمعاتها وكذلك مصالح المجتمع الدولي، كما أنها تسعى إلى تعزيز هذا التعاون.
في هذا السياق، مثّلت مناقشة حالات العنف ضد المسلمين في الهند خلال جلسات “يوم مكافحة الإسلاموفوبيا” التي احتُفل بها في الأمم المتحدة في مارس 2025، مثالًا على أرضية التعاون الجديدة التي تتشكل في الساحة متعددة الأطراف. بالإضافة إلى ذلك، فإن قرار “الاستراتيجية المشتركة لمكافحة الإسلاموفوبيا” الذي تم طرحه مؤخرًا في إطار مجموعة الدول الثماني الإسلامية (D-8)، يهدف مباشرة إلى إنشاء آلية لرصد انتهاكات حقوق المسلمين في الهند وإعداد التقارير عنها، ساعيًا بذلك إلى خلق ضغط دولي.
من ناحية أخرى، فإن مشروع مركبات “ميلغام” الحربية التي تنفذها تركيا بالتعاون مع باكستان، ومبيعات الطائرات المسيّرة دون طيار، والتمارين العسكرية المشتركة، تُعتبر تطورات من شأنها إزعاج الهند بشكل كبير. فبينما تسعى الهند إلى توسيع نفوذها في محيط المحيط الهندي-الهادئ عبر سياسات “التوجه شرقًا” و”الجوار أولًا”، تقوم أنقرة – كجزء من مبادرة “آسيا الجديدة” – بإنشاء خطوط دفاعية وتقنية مع إندونيسيا وماليزيا وباكستان، مشكّلة بذلك مركزًا بديلًا يؤثر على التوازن الإقليمي. هذا الوضع يشير إلى منافسة غير معلنة ولكنها محسوسة بين تركيا والهند على الساحة الدولية، وذلك تحت عناوين مثل الإسلاموفوبيا وقضايا الأقليات المسلمة وصادرات صناعة الدفاع الاستراتيجية. وبالتالي، فإن السياسات الداخلية المعادية للمسلمين في الهند تعزز خطاب القوة الناعمة التركية في المنطقة، وفي الوقت نفسه تخلق مجالًا للمناورة الدبلوماسية.
في الواقع، تتجاوز تركيا في السنوات الأخيرة تصورها كـ”قوة إقليمية” في السياسة الخارجية، وتتخذ خطوات نحو أن تصبح فاعلاً مؤثرًا على النطاق العالمي. وفي إطار هذا الهدف، فإن تعزيز التعاون مع الدول الإسلامية في مختلف المناطق دون التقيد بالتقارب الجغرافي يحمل أهمية استراتيجية. وذلك لأن دولًا مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان، التي يعيش فيها جزء كبير من السكان المسلمين، تمتلك أيضًا نفوذًا معينًا وقوة اقتصادية في الساحة الدولية.
تعد إندونيسيا أكبر دولة من حيث عدد السكان المسلمين في العالم. ويجعلها تعدادها السكاني البالغ حوالي 280 مليون نسمة وكونها واحدة من أكبر اقتصادات جنوب شرق آسيا فاعلةً في السوق العالمية والمنظمات الدولية. أما ماليزيا، فتحتل موقعًا مهمًا في جنوب شرق آسيا من حيث نصيب الفرد من الدخل القومي وأداء الصادرات، كما أن لديها صورة متقدمة اقتصاديًا داخل العالم الإسلامي. وبالنسبة لباكستان، فهي إلى جانب كونها قوة نووية، تُعد لاعبًا بارزًا في الساحة الدولية بتعداد سكاني يقارب 250 مليون نسمة. وفي هذا السياق، فإن تعميق الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وباكستان يعزز أيضًا الوعي الدولي تجاه سياسات الهند في كشمير، ويمنح تركيا دور “صانع المعايير” في العالم الإسلامي من حيث إضفاء الطابع المؤسسي على الدفاع عن حقوق الإنسان.
النتيجة: تعزيز العلاقات الثنائية، والتنسيق المشترك في القضايا العالمية
إن البُعد الجغرافي يُحدّ بالطبع من إمكانية إنشاء تحالف عسكري أو سياسي قوي في السياق الإقليمي بين باكستان والدول الإسلامية الأخرى في المنطقة. ومع ذلك، على المستوى العالمي، تمتلك دول مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان – التي تعد من بين أكثر دول العالم الإسلامي من حيث عدد السكان – إمكانات كبيرة في مجالات الدين والثقافة ونهج التعامل مع القضايا المشتركة. ومن الواضح أن الأولويات الجيوسياسية الإقليمية المختلفة ستجعل من الصعب على هذه الدول أن تتخذ موقفًا موحدًا في جميع القضايا. ومع ذلك، فإن التحرك المشترك ممكن في العديد من المجالات ذات المصلحة المشتركة للعالم الإسلامي، مثل التجارة العالمية، والصناعات الدفاعية، وأمن إمدادات الطاقة، وسياسات الهجرة الدولية، ومشاريع التنمية، وتغير المناخ.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السياسات التمييزية التي تنتهجها الهند تجاه الأقلية المسلمة، والمواقف العدوانية المتصاعدة ضد باكستان، تجعل من الضروري أن تعمل هذه الدول الأربع (بما في ذلك تركيا) على تطوير خطاب قانوني مشترك يركز على حقوق الإنسان على الساحة الدولية. وبذلك، فإن التحالف الذي ستبنيه أنقرة مع محور إندونيسيا-ماليزيا-باكستان لن يكون تحالفًا اقتصاديًا ودفاعيًا فحسب، بل سيكتسب أيضًا إطارًا معياريًا وقيميًا.
إذا كانت تركيا ترغب في الحفاظ على هويتها كقوة إقليمية وفي نفس الوقت أن تكون فاعلاً عالمياً، فإنه يتعين عليها إعادة تعريف علاقاتها مع هذه الدول في إطار المتطلبات المعاصرة. في هذه النقطة، يُعد نهج السياسة الخارجية متعددة الأبعاد اليوم هو المرشد الأساسي. فبينما تركز على المشكلات في محيطها القريب، فإن توسيع مجالات التعاون مع الدول الصديقة في مناطق أكثر بُعداً، ولكنها مرتبطة بعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية، سيعزز من مكانة تركيا في الساحة الدولية.
النتيجة هي أن التضامن بين إندونيسيا وماليزيا وباكستان وتركيا له أهمية أكبر في القضايا العالمية وليس في القضايا الإقليمية. هذا التحالف سيدعم تركيا في توسيع نطاق تأثيرها في الشؤون العالمية وتحقيق موقع أقوى في آليات صنع القرار الدولي. كما أن له إمكانات عالية في تشكيل التعاون الاستراتيجي طويل الأجل على المستوى العالمي ودور تركيا في الساحة الدولية. كلما عززت تركيا هدفها كقوة إقليمية، ستهتم أكثر بالقضايا العالمية، وفي هذه العملية سيستمر التنافس الضمني مع الهند كعامل موازن من خلال التحالفات التي ستطورها مع محور إندونيسيا-ماليزيا-باكستان.