بشكل عام، شن حرب دون وجود سبب واضح، يعد فكرة رديئة. هذا الدرس المستخلص، إذا كان هناك حاجة إليه، من الغزو الأمريكي غير المبرر للعراق عام 2003، وهو درس يجب ألا ينساه قادتنا – حرب أدت إلى تشريد الملايين، ومقتل مئات الآلاف من العراقيين، وفقدان عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين حياتهم، وتفجر أزمة لاجئين في أوروبا، وكل هذا من أجل ماذا؟ من أجل لا شيء. من أجل بعض الضغائن التي كان يكنها جورج بوش ضد صدام حسين، ومن أجل الخدعة التي قدمها في الأمم المتحدة كولن ”كذاب العقد“ باول، على الشعب الأمريكي بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية. لذا كانت هذه فكرة سيئة حقًا، ولكن لا تخطئوا – فإن هجوم الولايات المتحدة على إيران سيكون أسوأ بكثير.
الحرب بين الولايات المتحدة وإيران ليست بأي حال من الأحوال أمرًا مفروغًا منه. قد يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في أن تكون كذلك، ولكن يمكننا أن نأمل في أن تراود دونالد ترامب أفكار مختلفة. مثل هذا الصراع سيكون كارثة ليس فقط على الشرق الأوسط، بل على العالم بأسره، حيث يمكن أن يصل إلى مستوى نووي، ويجرّ روسيا، حليفة إيران، إلى الصراع، ويمكن أن يهز الاقتصاد العالمي على الفور – وبما أن ترامب يعلم كل هذا، فهناك سبب للأمل في انتصار السلام. وبالفعل، في 5 فبراير، وبعد تصريحه المثير للقلق حول غزة-ريفييرا، أكد ترامب للعالم أنه لا يريد القتال مع إيران وأعلن بدلاً عن ذلك حملة ضغط اقتصادي قصوى. كما ترددت شائعات مشجعة عن لقاء بين ترامب والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
كيف يمكن لحرب مع إيران أن تعطل الاقتصاد العالمي؟ لا شك أن طهران عند تعرضها للهجوم ستغلق مضيق هرمز وأجزاء كبيرة من الخليج العربي، مما سيؤدي إلى منع تدفق جزء كبير من النفط العالمي. وسوف تتضاعف أسعار الطاقة. فكروا فقط في حجم الضرر الاقتصادي الذي ألحقه الحوثيون – فقد أوقفوا البحرية الأمريكية وأغلقوا البحر الأحمر وقناة السويس. اضربوا ذلك في مئات أو ربما آلاف المرات، وستحصلون على الكارثة المالية التي سيخلقها هجوم الولايات المتحدة على إيران.
الأسوأ من ذلك هو أن أي حرب تشنها الولايات المتحدة أو الولايات المتحدة وإسرائيل ضد إيران ستقنع بلا شك النخبة الإيرانية بأنها بحاجة ماسة إلى أسلحة نووية. على الرغم من الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى ضد القنبلة النووية، فإن كبار المسؤولين في الجيش الإيراني يرغبون في امتلاكها ويضغطون من أجل ذلك. المثال الأوضح في هذا الصدد هو ليبيا؛ تخلى القذافي عن الأسلحة النووية، وانظروا ماذا حدث له، كما تقول الحجة. ومع ذلك، لدى الولايات المتحدة حليف غير متوقع في إبقاء إيران بعيدة عن برنامج الأسلحة النووية؛ روسيا. بعد توقيعها اتفاقية أمنية مع طهران، من غير المرجح أن ترحب موسكو بأن تكون طرفًا مباشرًا في انتشار الأسلحة النووية وربما الحرب. فالكرملين يريد السلام في الشرق الأوسط ويعلم جيداً أن أي اندفاع إيراني للحصول على القنبلة النووية سيشعل حريقاً إقليمياً وربما عالمياً. لم تعقد روسيا اتفاقًا مع إيران للتورط في صراع، بل لتعزيز الأعمال التجارية، وهو ما يعني منع نشوب حرب.
علاوة على ذلك، انضمت إيران الآن إلى بريكس، وقد فعلت ذلك لدواع مالية قوية؛ فطهران التي تخضع لعقوبات شديدة من قبل الولايات المتحدة، ترى بدائل اقتصادية للغرب في بريكس، وهي منظمة هدفها التجارة والتنمية. ومع ذلك، ليس من المستبعد أن تقرر بريكس، مثل الاتحاد الأوروبي، أنها بحاجة إلى مكون عسكري، ربما ليس بشكل شامل مثل الناتو، ولكن شيء من هذا القبيل. بريكس هي بالفعل قوة اقتصادية كبرى على المستوى الدولي، ولكن مع وجود جناح عسكري فإنها ستكون هائلة إلى حد مخيف. ولمنع حتى المراحل الأولى من مثل هذا التشكيل العسكري، فإن إحدى الخطوات التي يمكن اتخاذها هي توقف واشنطن عن التهديدات والإهانات التي توجهها عادة لإيران.
بدلاً من ذلك، يمكن للإمبراطورية الاستثنائية (الولايات المتحدة) أن تشجع المحادثات بين العدوين اللدودين؛ إيران وإسرائيل. هل يبدو ذلك سخيفًا؟ حسنًا، أشياء أكثر غرابة حدثت بالفعل. انظروا إلى التقارب المفاجئ بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي أذهل العالم في مارس 2023. بضربة واحدة سريعة، غيرت الدبلوماسية الصينية التحالفات والاصطفافات في الشرق الأوسط. وربما تستطيع الولايات المتحدة أن تجرب مبادرة مماثلة بين إيران وإسرائيل. الأمر يستحق المحاولة. في الواقع، أي مبادرة نحو المفاوضات يمكن أن تخفف من حدة المواجهة بين طهران والقدس، وهي مواجهة جاءت بعد هجومين صاروخيين إيرانيين على إسرائيل ورد إسرائيلي خطير. وهذا أمر لا يتمنى أي عاقل أن يراه يتكرر. ومرة أخرى، من شأن أي حرب إقليمية أن تدمّر اقتصاد العالم ومن المحتمل جدًا أن تتحول إلى مواجهة نووية. إيران لن تذهب إلى أي مكان، وكل التمنيات في القدس لن تغير ذلك. إنها موجودة منذ 4000 عام، قد يكون المحافظون الجدد أغبياء لدرجة أن يحلموا بالقضاء عليها، ولكن لا داعي لأن نقع نحن والآخرون في هذا الخطأ.
في فترة الهدوء هذه بين الأعمال العدائية، تجدر الإشارة أيضًا إلى أن إيران أصبح لديها أخيرًا رئيس أكثر ميلًا للسلام. كان زعيمها السابق، إبراهيم رئيسي، مؤيدًا بشدة للحرب ويمكن القول إنه كان ينظر إلى الحرب مع إسرائيل من منطلق “هيا لنفعلها”. أما مسعود بزشكيان، فيبدو كزعيم أكثر انفتاحًا على السلام. قد لا يسعى بزشكيان وراء امتلاك القنبلة النووية أيضًا. أو على الأقل هذا ما أعلنه ترامب في 4 فبراير عند توقيعه مذكرة الضغط القصوى. قال ترامب: “هناك العديد من الأشخاص في أعلى مستويات القيادة في إيران الذين لا يريدون امتلاك سلاح نووي”. وعلّق موقع “ريسبونسيبل ستيتكرافت” على هذا الحدث في ذلك اليوم قائلا: “في جملة واحدة، قلب الرئيس عقودًا من العقيدة في واشنطن رأسًا على عقب”.
وتابع كاتب المقال، تريتا بارسي: “لا أتذكر أي رئيس أمريكي انحرف عن الخط شبه الرسمي الأمريكي الذي يقول إن طهران مصممة بشكل قاطع على امتلاك أسلحة نووية… تقييم الاستخبارات الوطنية لعام 2007 حول إيران أثار جدلا كبيرا ليس فقط لأنه خلص إلى أن إيران لا تملك برنامجاً نشطاً للأسلحة النووية، بل أيضًا لأنه خلص، بثقة متوسطة – عالية، إلى أن طهران على الأقل أبقت خيار تطوير أسلحة نووية مفتوحًا”.
حسنًا، هناك على الأرجح العديد من الدول التي تبقي هذا الخيار مفتوحًا. إذا قررت الولايات المتحدة خوض حرب معها جميعًا من أجل هذا الاحتمال الضئيل، فإننا سنتحدث حينها عن تدمير كوكب الأرض. بالطبع، وجهة النظر الإسرائيلية مختلفة. فبعد أن كانت إسرائيل على الطرف المتلقي لهجومين صاروخيين إيرانيين عنيفين (مستفزين)، ليس من المستغرب أن فكرة طهران النووية تثير القلق في القدس. ولكن هذا بالضبط هو السبب الذي يجعل الدبلوماسية هي الأولوية، وليس القيام بأشياء مثل قصف السفارات الإيرانية أو اغتيال ضيوف الحكومة في طهران. من الأفضل بكثير تحويل عدو إلى جار مسالم بدلاً من إشعال حرب ستقنع ذلك العدو بأنه يحتاج بالفعل إلى أسلحة نووية.
على مدى 25 عامًا، ظل نتنياهو يصرخ بأن طهران ستمتلك قريبًا سلاحًا نوويًا، وأنه لذلك يجب على الولايات المتحدة قصفها بشكل استباقي. وقد ثبت كذب هذا الادعاء على مدى 25 عامًا. وكتب بارسي: “ثلاثة من رؤساء الموساد السابقين – إفرايم هليفي، وتامير باردو، ومئير داغان – وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، جميعهم يرفضون فكرة أن إيران تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل”. هذا التهديد الوجودي المزعوم ما هو إلا هلوسة ملائمة ومتلاعبة لنتنياهو.. ليس علينا أن نشاركه في هذا الوهم. في الواقع، سيكون من الرائع أن نوقف مرة واحدة وإلى الأبد فكرة الحرب الأمريكية مع إيران من الانتشار في واشنطن.
*إيف أوتنبرغ؛ روائية وصحفية. أحدث رواياتها هي “Booby Prize”. يمكن التواصل معها عبر موقعها الإلكتروني.
المصدر: counterpunch.org